جِنْسَهُ) كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهَا (وَقَدْرَهُ) كَمِائَةٍ وَأَلْفٍ وَقَفِيزٍ وَقَفِيزَيْنِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الدَّيْنَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِذَلِكَ.
(وَ) ذَكَرَ أَيْضًا (مُطَالَبَتَهُ بِهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ حَقُّهُ (وَإِذَا صَحَّتْ) أَيْ الدَّعْوَى (سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهَا) لِيَتَّضِحَ وَجْهُ الْحُكْمِ إذْ الْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ يُخَالِفُ الْحُكْمَ بِالْإِقْرَارِ وَمَعْنَى سُؤَالِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّ خَصْمَك ادَّعَى عَلَيْك كَذَا وَكَذَا فَمَاذَا تَقُولُ (فَإِنْ أَقَرَّ) أَيْ الْخَصْمُ (أَلْزَمَ) أَيْ الْقَاضِي (بِمُوجِبِهِ) لَمْ يَقُلْ قَضَى أَوْ حَكَمَ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي إنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْقَضَاءِ تَوَسُّعٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَانَ الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي إلْزَامًا لِلْخُرُوجِ عَنْ مُوجِبِ مَا أَقَرَّ بِهِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي فَصْلِ الْخُصُومَةِ الْبَيِّنَةُ (وَإِنْ أَنْكَرَ) أَيْ الْخَصْمُ (سَأَلَ) أَيْ الْقَاضِي (الْمُدَّعِي بَيِّنَةً) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَةٌ فَقَالَ لَا فَقَالَ لَك يَمِينُهُ» سَأَلَ وَرَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى عَدَمِ الْبَيِّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ عَنْهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِحْلَافِ (فَإِنْ أَقَامَ) أَيْ الْبَيِّنَةَ (قَضَى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَهِيَ فَيْعِلَةٌ مِنْ الْبَيَانِ فَإِنَّهَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ يَظْهَرُ بِهَا الْحَقُّ عَلَى الْبَاطِلِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا بَلْ عَجَزَ عَنْ إقَامَتِهَا (حَلَّفَهُ) أَيْ الْقَاضِي الْخَصْمَ (بِطَلَبِهِ) أَيْ طَلَبِ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْحَلِفَ حَقُّهُ وَلِهَذَا أُضِيفَ إلَيْهِ بِحَرْفِ اللَّامِ فِي الْحَدِيثِ، وَجْهُ كَوْنِهِ حَقًّا لَهُ أَنَّ الْمُنْكِرَ قَصَدَ إتْوَاءَ حَقِّهِ عَلَى زَعْمِهِ بِالْإِنْكَارِ فَمَكَّنَهُ الشَّارِعُ مِنْ إتْوَاءِ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَهِيَ الْغَمُوسُ إنْ كَانَ كَاذِبًا كَمَا يَزْعُمُ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ إتْوَاءِ الْمَالِ وَيَحْصُلُ لِلْحَالِفِ الثَّوَابُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ يَمِينٌ قَاطِعَةٌ لِلْخُصُومَةِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْيَمِينِ عِنْدَ غَيْرِهِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ فِيهِ اخْتِلَافٌ ثُمَّ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ فَإِنْ وَجَدَهَا أَقَامَهَا وَقَضَى لَهُ بِهَا وَبَعْضُ الْقُضَاةِ مِنْ السَّلَفِ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ وَيَقُولُونَ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ صِدْقِهِ بِالْيَمِينِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بَعْدَ يَمِينِ الْمُنْكِرِ وَكَانَ شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ شَاهِدِ الزُّورِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (فَإِنْ نَكَلَ) أَيْ قَالَ لَا أَحْلِفُ (مَرَّةً أَوْ سَكَتَ بِلَا آفَةٍ) مِنْ طَرَشٍ أَوْ خَرَسٍ فَإِنَّهُ نُكُولٌ حُكْمًا (وَقَضَى صَحَّ) لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» تَرْكُ هَذَا الْوَاجِبِ بِالنُّكُولِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاذِلٌ أَوْ مُقِرٌّ وَإِلَّا لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ تَقَصِّيًا عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِبَذْلِ الْمُدَّعَى أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ وَالشَّرْعُ أَلْزَمَهُ التَّوَرُّعَ مِنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ دُونَ التَّرَفُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ عَلَى جَانِبِ التَّوَرُّعِ فِي نُكُولِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْقَضَاءُ (بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ) أَيْ عَرْضِ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَى الْخَصْمِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ تَحْلِفْ أَحْكُمُ عَلَيْك (ثَلَاثًا أَحْوَطُ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ مَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ (وَلَا عِبْرَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِقَوْلِهِ أَحْلِفُ) لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِالنُّكُولِ فَلَا يُنْقَضُ بِهِ الْقَضَاءُ (وَيُعْتَبَرُ) أَيْ قَوْلُهُ أَحْلِفُ (قَبْلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ لَا يَجُوزُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحَقِّ إلَّا فِي دَعْوَى الْعَيْبِ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ إنْكَارَهُ لِيُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى بَائِعِهِ وَفِي الْوَصِيِّ إذَا عَلِمَ بِالدَّيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي بُيُوعِ النَّوَازِلِ اهـ. (قَوْلُهُ فَهِيَ فَيْعَلَةٌ مِنْ الْبَيَانِ) وَقِيلَ فَيْعَلَةٌ مِنْ الْبَيْنِ إذْ بِهَا يَقَعُ الْفَصْلُ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي إلَى قَوْلِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ الْآتِي فَإِنْ نَكَلَ كَمَا ذَكَرَهُ كَذَلِكَ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ) أَيْ فَهُوَ مَهْجُورٌ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَإِنْ نَكَلَ) أَيْ قَالَ لَا أَحْلِفُ نُكُولٌ حَقِيقَةً وَقَوْلُهُ أَوْ سَكَتَ بِلَا آفَةٍ نُكُولٌ حُكْمًا وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ وَهُوَ بَعْدَ عَرْضُ الْيَمِينِ ثَلَاثًا أَحْوَطُ) أَيْ نَدْبًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّكْرَارَ حَتْمٌ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالنُّكُولِ مَرَّةً لَا يَنْفُذُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَهُوَ نَظِيرُ إمْهَالِ الْمُرْتَدِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْكَافِي يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْتُ عَلَيْك بِمَا ادَّعَى وَهَذَا الْإِنْذَارُ لِإِعْلَامِهِ بِالْحُكْمِ إذْ هُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَكَانَ مَظِنَّةَ الْخَفَاءِ. اهـ.