الْعَيْنُ غَائِبًا وَادَّعَى أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ إنْ بَيَّنَ الْمُدَّعِي قِيمَتَهُ وَصِفَتَهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ
(وَلَوْ قَالَ غُصِبَتْ مِنِّي عَيْنُ كَذَا وَلَا أَدْرِي قِيمَتَهُ قَالُوا تُسْمَعُ) قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ وَقَالَ غُصِبَتْ مِنِّي عَيْنُ كَذَا وَلَا أَدْرِي أَهُوَ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ قِيمَتِهِ لَتَضَرَّرَ بِهِ. أَقُولُ فَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّبُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ، وَالْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّ كَلَامَ الْكَافِي لَا يَكُونُ كَافِيًا إلَّا بِهَذَا التَّحْقِيقِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوْفِيقِ (وَلَوْ) كَانَ مَا يَدَّعِيهِ (عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ) الْأَرْبَعَةَ لِتَعَذُّرِ التَّعْرِيفِ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُنْقَلُ فَيُصَار إلَى التَّحْدِيدِ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُعْرَفُ بِهِ (وَكَفَى الثَّلَاثَةُ) وَقَالَ زُفَرُ لَا لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَمْ يَتِمَّ وَلَنَا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ (إلَّا أَنْ يَغْلَطَ فِي) الْحَدِّ (الرَّابِعِ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى يَخْتَلِفُ بِهِ بِخِلَافِ تَرْكِهِ (كَذَا الشَّهَادَةُ) أَيْ كَمَا يُشْتَرَطُ التَّحْدِيدُ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ وَإِنْ ذَكَرُوا ثَلَاثَةً مِنْ الْحُدُودِ فِي الشَّهَادَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُكْتَفَى بِذِكْرِهِ وَفِي الدَّارِ لَا بُدَّ مِنْ التَّحْدِيدِ وَإِنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الشُّهْرَةَ مُغْنِيَةٌ عَنْهُ وَلَهُ أَنَّ قَدْرَهَا لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالتَّحْدِيدِ.
(وَ) ذَكَرَ أَيْضًا (أَنَّهُ يُطَالِبُهُ) لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّ الْمُدَّعِي فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ.
(وَ) ذَكَرَ أَيْضًا (أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ خَصْمًا بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ فِي يَدِهِ (لَا يَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا) عَلَى أَنَّهُ فِي يَدِهِ (بَلْ) يَثْبُتُ (بِالْبَيِّنَةِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي) لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْعَقَارِ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَقَدْ تَوَاضَعَا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدٌ كَمَا مَرَّ فِي الْعِمَادِيَّةِ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَرَادَ إحْضَارَهُ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِسَنَةٍ هَلْ تُسْمَعُ وَهَلْ يُجْبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إحْضَارِهِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَمْ لَا كَانَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ يَدُهُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَلَمْ يُثْبِتْ خُرُوجَهُ مِنْ يَدِهِ وَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي زَوَالِ ذَلِكَ الْيَدِ فَتَثْبُتُ الْيَدُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَمِنْ الْمَنْقُولَاتِ مَا لَمْ يُمْكِنْ إحْضَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي كَالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْقَطِيعِ مِنْ الْغَنَمِ، وَالْقَاضِي فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَضَرَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَوْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الْحُضُورُ وَكَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ يَبْعَثُ خَلِيفَتَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا كَانَ الْقَاضِي يَجْلِسُ فِي دَارِهِ وَوَقَعَ الدَّعْوَى فِي جَمَلٍ وَلَا يَسَعُ بَابَ دَارِهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ يَأْمُرُ نَائِبَهُ حَتَّى يَخْرُجَ لِيُشِيرَ إلَيْهِ الشُّهُودُ بِحَضْرَتِهِ وَفِي الْقُدُورِيِّ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى شَيْئًا يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ كَالرَّحَى فَالْحَاكِمُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَضَرَ وَإِنْ شَاءَ بَعَثَ أَمِينًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ الْعَيْنُ الْمُدَّعَى فِي الْمِصْرِ أَمَّا إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ كَيْفَ يَقْضِي بِهِ الْقَاضِي وَالْمِصْرُ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَبْعَثَ وَاحِدًا مِنْ أَعْوَانِهِ حَتَّى يَسْمَعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ وَيَقْضِي ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَمْضِي قَضَاؤُهُ
(وَلَوْ) كَانَ مَا يَدَّعِيهِ (دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ذَكَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَقُولُ فَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ وَالْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ. . . إلَخْ) يُقَالُ هَلْ ثَمَّ شَيْءٌ يُتَوَهَّمُ غَيْرُ مَا ذَكَرْت لِيَكُونَ بِهِ الْكَلَامُ غَيْرَ كَافٍ هَذَا وَلِقَاضِي زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَحْثٌ فِي هَذَا الْمَحِلِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ) يَعْنِي وَذَكَرَ أَسْمَاءَ أَصْحَابِهَا وَأَنْسَابَهُمْ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ حَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بَيْنَ النَّاسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُرِيدُ بِهِ صَاحِبَ الْحَدِّ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَوْضِعِ الْمَحْدُودِ وَبَلَدِهِ لِيَصِيرَ مَعْلُومًا اهـ فَجَعَلَهُ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ ادَّعَى مَحْدُودًا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَبَيَّنَ الْحُدُودَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْمَحْدُودَ مَا هُوَ أَرْضٌ أَوْ كَرْمٌ أَوْ دَارٌ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى.
وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَصِحُّ إذَا بَيَّنَ الْمِصْرَ وَالْمَحَلَّةَ وَالْمَوْضِعَ وَالْحُدُودَ وَقِيلَ ذِكْرُ الْمَحَلَّةِ وَالسُّوقِ وَالسِّكَّةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَذِكْرُ الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ لَازِمٌ اهـ.
(قَوْلُهُ بَلْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالسِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَمِنْ الْمَنْقُولَاتِ. . . إلَخْ) لَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا فِي دَعْوَى الْعَقَارِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَنْقُولِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ إحْضَارَهُ صَارَ كَالْعَقَارِ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ بَعْدَهُ
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ دَيْنًا. . . إلَخْ) وَمَعَ هَذَا لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ بِالْوَصْفِ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُعَرَّفُ بِهِ كَمَا فِي الْكَافِي فَلَيْسَ ذِكْرُ الْقَدْرِ يُغْنِي عَنْ الْوَصْفِ وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا ذَكَرَ وَصْفَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى فِيهِ خَفَاءٌ