مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ مَعَ الْكَفِيلِ) لِأَنَّ مَفْهُومَ الْكَفَالَةِ وَهُوَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ يَقْتَضِي قِيَامَ الذِّمَّةِ الْأُولَى لَا الْبَرَاءَةَ عَنْهَا (إلَّا إذَا شَرَطَ الْبَرَاءَةَ فَتَكُونُ) أَيْ الْكَفَالَةُ حِينَئِذٍ (حَوَالَةً) اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى (كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ عَدَمِ الْبَرَاءَةِ) أَيْ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ (كَفَالَةٌ وَلَهُ) أَيْضًا (مُطَالَبَةُ أَحَدِهِمَا وَلَوْ بَعْدَ مُطَالَبَةِ الْآخَرِ) لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا الضَّمُّ لَا التَّمْلِيكُ بِخِلَافِ الْمَالِكِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْقَاضِيَيْنِ حَيْثُ يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ مِنْهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّمْلِيكُ مِنْ الثَّانِي (كُفِلَ بِمَا لَك عَلَيْهِ) أَيْ قَالَ كَفَلْت بِمَا لَك عَلَيْهِ (فَإِنْ بَرْهَنَ) أَيْ الطَّالِبُ (عَلَى أَلْفٍ لَزِمَهُ) أَيْ الْأَلْفُ لِلْكَفِيلِ فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالْبُرْهَانِ كَالثَّابِتِ بِالْعِيَانِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ (صُدِّقَ الْكَفِيلُ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ (لَا الْأَصِيلُ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِ) فِي حَقِّ الْكَفِيلِ يَعْنِي إنْ اعْتَرَفَ الْأَصِيلُ بِالزَّائِدِ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ الْكَفِيلُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى كَفِيلِهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ بَلْ يُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (كَفَلَ بِأَمْرِهِ) يَعْنِي تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَبِلَا أَمَرَهُ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» فَإِذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَأَدَّى (رَجَعَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ (بِمَا أَدَّى إذَا أَدَّى مَا ضَمِنَهُ) لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِذَا أَدَّى خِلَافَهُ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ لَا بِمَا أَدَّى حَتَّى لَوْ كَفَلَ بِالْجِيَادِ وَأَدَّى الزُّيُوفَ وَتَجَوَّزَ مَنْ لَهُ الدَّرَاهِمُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ رَجَعَ بِالْجِيَادِ وَلَوْ كَفَلَ بِالزُّيُوفِ وَادَّعَى الْجِيَادَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالزُّيُوفِ لِأَنَّ رُجُوعَ الْكَفِيلِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَفَالَةِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَمْلِكَهُ بِالْأَدَاءِ بَلْ كَانَ مُقْرِضًا فَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى (وَلَا يُطَالِبُهُ) أَيْ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِالْمَالِ (قَبْلَ الْأَدَاءِ) الْمَكْفُولِ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَيَمْلِكُهُ بَعْدَهُ فَيَرْجِعُ (وَبِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ أَمْرِهِ (لَمْ يَرْجِعْ) بِمَا أَدَّى لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَجَازَ) أَيْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ (بَعْدَ الْعِلْمِ) لِأَنَّ كُلَّ كَفَالَةٍ تَنْعَقِدُ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرَّدِّ لَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً أَبَدًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ

(قَالَ اضْمَنْ أَلْفًا لِفُلَانٍ عَلَيَّ) فَضَمِنَ (فَأَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ إلَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الرُّجُوعِ ذِكْرُ الضَّمَانِ وَلَا اشْتِرَاطُ الرُّجُوعِ وَقَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ طُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْكَفَالَةِ وَمَا إذَا قَالَ أَدِّ عَنِّي زَكَاةَ مَالِي أَوْ أَطْعِمْ عَنِّي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لَا يَرْجِعُ مَا لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْكَفَالَةِ يَتَضَمَّنُ طَلَبَ الْقَرْضِ إذَا ذَكَرَ لَفْظَةَ عَنِّي وَفِي قَضَاءِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ طَلَبُ اتِّهَابٍ وَلَوْ ذَكَرَ لَفْظَةَ عَنِّي وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ فِي الْكَفَالَةِ بِالْأَمْرِ إذَا قَالَ عَنِّي أَوْ عَلَيَّ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ خَلِيطًا رَجَعَ وَإِلَّا لَا اهـ.

وَقَالَ قَاضِي خَانْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا أَمَرَ صَيْرَفِيًّا لَهُ فِي الْمُصَارَفَةِ أَنْ يُعْطِيَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ قَضَاءً عَنْهُ أَوْ لَمْ يَقُلْ قَضَاءً عَنْهُ فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ الصَّيْرَفِيُّ عَلَى الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَيْرَفِيًّا لَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَنِّي وَلَوْ أَمَرَهُ أَسِيرٌ بِشِرَائِهِ أَوْ بِدَفْعِ الْفِدَاءِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ بِذَلِكَ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْفِقْ مِنْ مَالِك عَلَى عِيَالِي أَوْ فِي بِنَاءِ دَارِي رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ وَكَذَا لَوْ قَالَ اقْضِ دَيْنِي يَرْجِعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى) أَيْ مِنْ الزُّيُوفِ فَيَأْخُذُ زُيُوفًا مِثْلَهَا وَلَوْ تَجَوَّزَ بِهَا رَبُّ الدَّيْنِ عَنْ الْجِيَادِ وَإِنْ أَدَّى أَجْوَدَ رَجَعَ بِمِثْلِ الدَّيْنِ اهـ.

وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَعْطَاهُ بِهَا أَيْ بِالْجِيَادِ الَّتِي كَفَلَهَا دَنَانِيرَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمِثْلِ مَا ضَمِنَ اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ أَجَازَ بَعْدَ الْعِلْمِ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا أَجَازَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ أَمَّا إذَا أَجَازَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ مُوجِبَةً لِلرُّجُوعِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ

(قَوْلُهُ قَالَ اضْمَنْ أَلْفًا لِفُلَانٍ عَلَيَّ. . . إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِحُكْمِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ لِأَنَّ صِيغَةَ عَلَيَّ كَقَوْلِهِ عَنِّي وَإِحْدَى الصِّيغَتَيْنِ كَافٍ لِلرُّجُوعِ وَإِذَا تَجَرَّدَ الْكَلَامُ عَنْهَا جَمِيعًا لَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَلِيطًا لِلْآمِرِ أَوْ فِي عِيَالِهِ أَوْ صَيْرَفِيًّا لَهُ فَيَرْجِعُ مُطْلَقًا لِمَا نَذْكُرُ فَلَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَيْ الصِّيغَتَيْنِ لِاشْتِرَاطِ الرُّجُوعِ وَلَعَلَّ لَفَظَّةَ عَلَيَّ زَائِدَةٌ لِتَكُونَ بَيَانًا لِمَا يَكُونُ بِهِ كَفِيلًا بِالْأَمْرِ وَمَا لَا يَكُونُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ فِي هَذَا سَهْوًا بِزِيَادَةِ لَفَظَّةِ عَلَيَّ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ خَلِيطٍ أَيْ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِطًا فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَلَا هُوَ فِي عِيَالِهِ اقْضِ فُلَانًا أَلْفًا وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي فَأَدَّى الْمَأْمُورُ أَلْفًا يَحْكُمُ لَهُ أَيْ أَبُو يُوسُفَ لِلْمَأْمُورِ بِالرُّجُوعِ وَقَالَا لَا يَرْجِعُ قَيَّدَ بِغَيْرِ خَلِيطٍ إذْ لَوْ كَانَ خَلِيطًا يَرْجِعُ اتِّفَاقًا لِقِيَامِ قَرِينَةٍ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لِلْآمِرِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ اقْضِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَدِّ لَا يَرْجِعُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي إذْ لَوْ قَالَ عَنِّي يَرْجِعُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا وَلَا هُوَ فِي عِيَالِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي عِيَالِهِ أَوْ الْآمِرُ فِي عِيَالِ الْمَأْمُورِ يَرْجِعُ اتِّفَاقًا مِنْ الْحَقَائِقِ، لَهُ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَأْمُرُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ اقْضِ عَنِّي وَلَهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ أَلْفًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا لِلْمَأْمُورِ وَأَنْ يَكُونَ دَيْنًا لِلْآمِرِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا رَأَى غَيْرَهُ يُمَاطِلُ فِي دَيْنِهِ يَأْمُرُهُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَرْجِعُ بِالشَّكِّ اهـ.

وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّ الرُّجُوعَ مُقَيَّدٌ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْأَمْرُ فَيَخْرُجُ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ الْمَحْجُورُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015