(وَأَطْعَمْتُكَ أَرْضِي) ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا يُطْعَمُ كَالْأَرْضِ يُرَادُ بِهِ أَكْلُ غَلَّتِهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ (وَمَنَحْتُكَ ثَوْبِي هَذَا) أَوْ جَارِيَتِي هَذِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ، فَإِنَّ الْمَنْحَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ عُرْفًا وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ وَأَصْلُهُ أَنْ يُعْطَى نَاقَةً أَوْ شَاةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا ثُمَّ تُرَدُّ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي تَمْلِيكِ الْعَيْنِ، فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْهِبَةُ أَفَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ وَإِلَّا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ (وَحَمَلْتُكَ عَلَى دَابَّتِي هَذِهِ) إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ، فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ عُرْفًا فِي الْهِبَةِ لِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِمْ حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى الْفَرَسِ وَيُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ وَمَعْنَاهُ لُغَةً هُوَ الرِّكَابُ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ أَيْضًا، فَإِذَا نَوَى أَحَدَهُمَا صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِهِ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ أَقُولُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا اعْتَرَضَ صَاحِبُ الْكَافِي عَلَى الْهِدَايَةِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ يَعْنِي مَنَحْتُكَ وَحَمَلْتُكَ حَقِيقَةً لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ وَمَجَازًا لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِي بَيَانِ أَلْفَاظِهَا وَحَمَلْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا نَوَى بِالْحُمْلَانِ الْهِبَةَ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الرِّكَابُ حَقِيقَةً فَيَكُونُ عَارِيَّةً لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُمَا إذَا كَانَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ حَقِيقَةً وَالْحَقِيقَةُ تُرَادُ بِاللَّفْظِ بِلَا نِيَّةٍ فَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَةِ الْهِبَةِ لَا يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ عَلَى الْهِبَةِ، أَمَّا انْدِفَاعُ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ أَرَادَ بِجَعْلِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ حَقِيقَةً لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْعَارِيَّةِ جَعَلَهُمَا حَقِيقَةً لَهُ عُرْفًا فَيَكُونَانِ مَجَازَيْنِ لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ عُرْفًا ضَرُورَةً وَأَرَادَ بِجَعْلِهِ الْحَمْلَ حَقِيقَةً لِلْإِرْكَابِ جَعْلُهُ حَقِيقَةً لَهُ لُغَةً فَيَكُونُ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ مَجَازًا لُغَةً ضَرُورَةً فَلَا مُنَافَاةَ، وَأَمَّا انْدِفَاعُ الثَّانِي فَلِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إنَّمَا تُرَادُ بِاللَّفْظِ بِلَا قَرِينَةٍ إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا مَجَازٌ مُسْتَعْمَلٌ، فَإِنَّ النِّيَّةَ إذَا انْتَفَتْ كَانَ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ وَاللُّغَوِيُّ الْمُسْتَعْمَلُ مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْإِرَادَةِ فَيَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْأَدْنَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ (وَأَخْدَمْتُكَ عَبْدِي) ، فَإِنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ فَيَكُونُ عَارِيَّةً (وَدَارِي لَك سُكْنَى وَدَارِي لَك عُمْرَى سُكْنَى) ، فَإِنَّ لَفْظَ سُكْنَى مُحْكَمٌ فِي إرَادَةِ النَّفْعِ فَتُصْرَفُ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ لَكَ عَنْ إفَادَةِ الْمِلْكِ (وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ مَتَى شَاءَ) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ شَيْئًا فَشَيْئًا بِحَسَبِ حُدُوثِهَا فَمَا لَمْ تُوجَدْ لَمْ تُمْلَكْ فَصَحَّ الرُّجُوعُ (وَلَا تُضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ) بِلَا تَعَدٍّ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ -
(وَلَا تُؤَجَّرُ) أَيْ الْعَارِيَّةُ (وَلَا تُرْهَنُ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ دُونَ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ، وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا فَوْقَهُ (فَإِنْ آجَرَ أَوْ رَهَنَ الْمُسْتَعِيرُ فَهَلَكَتْ) الْعَارِيَّةُ (ضَمَّنَهُ الْمُعِيرُ) أَيْ ضَمَّنَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَتَنَاوَلْهُمَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا غَصْبًا (وَلَا يَرْجِعُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (عَلَى أَحَدٍ) إنْ ظَهَرَ بِالضَّمَانِ أَنَّهُ أَجَّرَ أَوْ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ (أَوْ ضَمَّنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَيَرْجِعُ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ (عَلَى الْمُؤَجِّرِ) دَفْعًا لِضَرَرِ الْغَرُورِ عَنْهُ (إنْ لَمْ يَعْلَم أَنَّهُ عَارِيَّةٌ مَعَهُ) ، وَإِنْ عَلِمَ فَلَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ فَصَارَ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ عَالِمًا بِالْغَصْبِ (وَتُعَارُ) أَيْ الْعَارِيَّةُ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ اخْتَلَفَ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ لَا (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مُنْتَفَعًا) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ جَازَ أَنْ يُعِيرَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ كَالْمُسْتَأْجِرِ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ.
(وَ) يُعَارُ (مَا لَا يَخْتَلِفُ اسْتِعْمَالُهُ إنْ عَيَّنَهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ) فِيهِ تَأَمُّلٌ وَلَعَلَّهُ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ وَإِرَادَةِ الْمُسَبَّبِ (قَوْلُهُ: أَقُولُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا اعْتَرَضَ صَاحِبُ الْكَافِي. . . إلَخْ) .
أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا الدَّفْعُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَيْمَانِ بِقَوْلِهِ يُرَادُ بِهَذَا الْبُرُّ بِضَمِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَرْجِيحِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ) هَذَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً فِي الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي غَيْرِهِ نَحْوُ أَنْ يُعِيرَهُ يَوْمًا فَلَوْ لَمْ يَرُدَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ ضَمِنَ إذَا هَلَكَتْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. اهـ. سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ لَا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا انْتَفَعَ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ غَاصِبًا أَمَّا إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا يَضْمَنُ كَالْمُودَعِ إذَا أَمْسَكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يُمْسِكُ مَالَ الْغَيْرِ بَعْدَ الْمُدَّةِ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَبِالتَّضْمِينِ مُطْلَقًا أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِعَارَةِ ضَمِنَ فِي قَوْلِهِمْ إذَا أَمْسَكَهَا بَعْدَ الْمُضِيِّ بِلَا إذْنٍ فَصَارَ غَاصِبًا انْتَهَى قُلْت لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى إطْلَاقِ الْفُصُولَيْنِ التَّضْمِينُ فِي قَوْلِهِمْ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ
(قَوْلُهُ: فَلَا تُؤَجَّرُ وَلَا تُرْهَنُ) أَقُولُ وَسَكَتَ عَنْ إيدَاعِهَا وَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ وَسَكَتَ عَمَّا لَوْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ فَيَنْظُرُ حُكْمَهُ (قَوْلُهُ: وَيُعَارُ مَا لَا يَخْتَلِفُ اسْتِعْمَالُهُ إنْ عَيَّنَهُ) أَيْ مُنْتَفَعًا أَقُولُ هَذَا التَّقْيِيدُ لَيْسَ بِاحْتِرَازِيٍّ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيُّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ يَعْنِي النَّفْعَ كَالسُّكْنَى وَالْحَمْلِ جَازَ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالِانْتِفَاءِ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ لَا يُفِيدُ. اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنْ لِلْوَصْلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالَهَا مَقْرُونَةً بِالْوَاوِ وَذُكِرَتْ هُنَا عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى: 9]