وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ (وَقَبْلَهُ لَا أَجْرَ وَيَغْرَمُ) قَالَ فِي الْوِقَايَةِ: فَإِنْ احْتَرَقَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ فَلَهُ الْأَجْرُ وَقَبْلَهُ لَا وَلَا غُرْمَ فِيهِمَا وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَيْ فِي الِاحْتِرَاقِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَبَعْدَ الْإِخْرَاجِ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ فِيمَا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ غُرْمًا حَتَّى قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا قَيَّدَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الِاحْتِرَاقِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّهُ إذَا احْتَرَقَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا مِنْ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ، فَإِنْ قِيلَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا خَبَزَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ أَنْ يَخْبِزَهُ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ أَجِيرًا خَاصًّا وَسَيَجِيءُ أَنَّ مَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ لَا يُضْمَنُ قُلْنَا قَدْ صَرَّحَ الشُّرَّاحُ بِأَنَّهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ حَيْثُ قَالُوا أَجِيرُ الْوَاحِدِ مَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ عَلَى الْمُدَّةِ بِالتَّخْصِيصِ كَمَا سَيَأْتِي كَمَنْ اسْتَأْجَرَ شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ عَلَى أَنْ لَا يَخْدُمَ غَيْرَهُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مُسْتَأْجَرٌ عَلَى الْعَمَلِ بِلَا بَيَانِ الْمُدَّةِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْفِعْلِ فِي بَيْتِهِ فَكَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَلِهَذَا غَيَّرْت الْعِبَارَةَ إلَى مَا تَرَى وَمَنْشَأُ هَذِهِ الْهَفْوَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ فَلَوْ احْتَرَقَ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِلْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا بِالْوَضْعِ فِي بَيْتِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ فَجَعَلَ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ قَوْلَهُ: وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ أَيْضًا فَلَزِمَ الْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ -
(مَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ) فِي الْعَيْنِ (كَصَبَّاغِ وَقَصَّارٍ يُقَصِّرُ بِالنَّشَا وَنَحْوِهِ) قَيَّدَ بِهِ لِيَكُونَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَاسِلِ الثَّوْبِ كَمَا سَيَأْتِي (بِحَبْسِ الْعَيْنِ لِلْأَجْرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصْفٌ فِي الْحَمْلِ فَكَانَ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ (فَلَا غُرْمَ إنْ ضَاعَ) الْعَيْنُ (بَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ (وَلَا أَجْرَ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَمَنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ وَغَاسِلِ الثَّوْبِ) بِغَيْرِ مَا ذَكَرَ (لَا يُحْبَسُ لَهُ) أَيْ لِلْأَجْرِ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْقَصَّارَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ إلَّا إزَالَةُ الدَّرَنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ كَانَ مُسْتَتِرًا وَقَدْ ظَهَرَ بِفِعْلِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ هَالِكًا بِالِاسْتِتَارِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَحْدَثَهُ بِالْإِظْهَارِ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ -
(بِخِلَافِ رَادِّ الْآبِقِ) حَيْثُ يَكُونُ لَهُ حَقُّ حَبْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ، فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ فَكَأَنَّهُ أَحْيَاهُ وَبَاعَ مِنْهُ بِالْجَعْلِ (إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ لَا يَسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ بِخِلَافِ السَّلَمِ، فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ الْعَيْنُ لَا الْعَمَلُ فَجَازَ أَنْ يَعْمَلَ غَيْرَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ (جَازَ اسْتِعْمَالُ غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إحْدَاثُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَيُمْكِنُهُ الْإِيفَاءُ بِنَفْسِهِ وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ -
(اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَجَاءَ بِمَنْ بَقِيَ فَلَهُ الْأَجْرُ بِحِسَابِهِ لَوْ) كَانَ عِيَالُهُ (مَعْلُومِينَ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ بِقَدْرِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِيَالُهُ مَعْلُومِينَ (فَكُلُّهُ) أَيْ فَلَهُ كُلُّ الْأَجْرِ.
(وَ) إنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا (لِإِيصَالِ قِطٍّ أَوْ زَادٍ إلَى زَيْدٍ إنْ رَدَّهُ) أَيْ الْقِطَّ أَوْ الزَّادَ (لِمَوْتِهِ) أَيْ زَيْدٍ (أَوْ غَيْبَتِهِ) ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ (لَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ نَقْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ أَوْ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِمَا فِي الْكِتَابِ لَكِنَّ الْحُكْمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ بِالْإِخْرَاجِ تَمَّ عَمَلُهُ وَبِالِاحْتِرَاقِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ حُكْمًا لَا ضَمَانًا (قَوْلُهُ وَقَبْلَهُ لَا أَجْرَ وَيَغْرَمُ) أَقُولُ وَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْخُبْزِ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَطَبِ وَالْمِلْحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ
(قَوْلُهُ: مَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَمَحَلُّهُ حَبْسُهُ لِلْأَجْرِ إذَا عَمِلَ فِي دُكَّانِهِ أَمَّا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَغَاسِلُ الثَّوْبِ بِغَيْرِ مَا ذَكَرَ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ اخْتَلَفُوا فِي غَسْلِ الثَّوْبِ حَسَبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْقَصَّارَةِ بِلَا نَشَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. اهـ. قُلْت وَاَلَّذِي بَيَّنَهُ هُوَ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ النِّهَايَةِ وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ يُفِيدُ أَنَّ لَهُ حَبْسَ الْمَغْسُولَةِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ أُسْتَاذُنَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا كُلُّ صَانِعٍ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ لَهُ حَبْسُهَا الْمُرَادُ بِهِ الْعَيْنُ وَالْأَجْزَاءُ الْمَمْلُوكَةُ لِلصَّانِعِ الَّتِي تَتَّصِلُ بِمَحَلِّ الْعَمَلِ كَالنَّشَّانَجِ وَالْغِرَاءِ وَالْخُيُوطِ وَنَحْوِهَا أَمْ مُجَرَّدُ مَا يُرَى وَيُعَايَنُ فِي مَحَلِّ الْعَمَلِ كَكَسْرِ الْفُسْتُقِ وَالْحَطَبِ وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ وَحَلْقِ رَأْسِ الْعَبْدِ فَاخْتَارَ قح قب ظت الثَّانِي وَاخْتَارَ بِمَ الْأَوَّلَ اَ هـ
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ السَّلَمِ) يَعْنِي السَّلَمَ فِيهَا لَوْ اسْتَصْنَعَ نَحْوَ خُفٍّ مُؤَجَّلًا
(قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ عِيَالُهُ مَعْلُومِينَ) أَقُولُ يَعْنِي لِلْعَاقِدَيْنِ أَوْ ذِكْرُ عَدَدِهِمْ لِلْأَجِيرِ (قَوْلُهُ: قِطٍّ) قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ وَالْقَطُّ الْكِتَابُ وَالصَّكُّ بِالْجَائِزَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} [ص: 16] اهـ