الْمَوْهُوبُ مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَظْرُوفَ يَشْغَلُ الظَّرْفَ، وَأَمَّا الظَّرْفُ فَلَا يَشْغَلُ الْمَظْرُوفَ -

(إلَّا إذَا وَهَبَ الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ أَيْضًا فَقَبَضَ الْكُلَّ بِإِذْنِهِ تَصِحُّ فِي الْكُلِّ) يَعْنِي لَوْ وَهَبَ الدَّارَ وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى وَهَبَ الْمَتَاعَ أَوْ وَهَبَ الْجِرَابَ وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى وَهَبَ الطَّعَامَ وَسَلَّمَ الْكُلَّ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْكُلَّ جُمْلَةً صَارَ كَأَنَّهُ وَهَبَ الْكُلَّ جُمْلَةً بِخِلَافِ مَا إذَا تَفَرَّقَ التَّسْلِيمُ، وَإِنَّمَا قَالَ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْقَبْضِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ مِلْكَ غَيْرِهِ كَذَا فِي الْكَافِي -

(وَيَنُوبُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ مَنَابَ الْقَبُولِ) يَعْنِي إذَا صَدَرَ الْإِيجَابُ مِنْ الْوَاهِبِ فَقَبِلَ قَبُولَ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْعَقْدَ إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبَ بِإِذْنِهِ صَحَّتْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ دَلِيلُ الْقَبُولِ (ثُمَّ إنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ هَلْ يَحْصُلُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمَوْهُوبِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ) حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ هِيَ قَبْضٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي صَحِيحِهَا) أَيْ الْهِبَةِ (بِالتَّخْلِيَةِ لَا فَاسِدِهَا) كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ -

(وَهَبَ دَارًا بِمَتَاعِهَا وَسَلَّمَهَا فَاسْتَحَقَّ الْمَتَاعَ صَحَّتْ فِي الدَّارِ) إذْ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّ يَدَهُ فِي الْمَتَاعِ كَانَتْ يَدَ غَصْبٍ وَصَارَ كَمَا لَوْ غَصَبَ الدَّارَ وَالْمَتَاعَ ثُمَّ وَهَبَ لَهُ الدَّارَ أَوْ أَوْدَعَهُ الدَّارَ وَالْمَتَاعَ ثُمَّ وَهَبَ لَهُ الدَّارَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ -

(وَلَوْ وَهَبَ أَرْضًا وَزَرْعَهَا وَسَلَّمَهَا فَاسْتَحَقَّ الزَّرْعَ بَطَلَتْ) الْهِبَةُ (فِي الْأَرْضِ) ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ مَعَ الْأَرْضِ بِحُكْمِ الِاتِّصَالِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ الشَّائِعَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَتَبْطُلُ الْهِبَةُ فِي الْبَاقِي كَذَا فِي الْكَافِي قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الْمُفْسِدُ هُوَ الشُّيُوعُ الْمُقَارِنُ لَا الشُّيُوعُ الطَّارِئُ كَمَا إذَا وَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْبَعْضِ الشَّائِعِ أَوْ اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ الشَّائِعَ بِخِلَافِ الرَّهْنِ، فَإِنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ مُفْسِدٌ.

وَفِي الْفُصُولَيْنِ أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ شَائِعًا أَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَيُفْسِدُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ مُقَارِنٌ لَا طَارِئٌ كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ فِي هِبَةِ الْمُحِيطِ أَقُولُ: عَدُّهُ صُوَرَ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ أَمْثِلَةِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْكَافِي وَالْفُصُولَيْنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ الْهِبَةِ فَيَكُونُ مُقَارِنًا لَهَا لَا طَارِئًا عَلَيْهَا -

(الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَبِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ (وَيَلِي الْقَرِيبُ الرُّجُوعَ فِيهَا) أَيْ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ يَعْنِي إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهَا هَلْ يَثْبُتُ وَلَايَةُ الرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ فِيمَا وَهَبَ هِبَةً فَاسِدَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَفَرَّقْت بَيْنَ الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَأَفْتَيْت بِالرُّجُوعِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْأُسْرُوشَنِيُّ وَالْإِمَامُ عِمَادُ الدِّينِ: هَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى فَلِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ مَضْمُونٌ عَلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إلَّا إذَا وَهَبَ الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ فَقَبَضَ الْكُلَّ) أَقُولُ الْحَصْرُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَرَغَ الْمَوْهُوبُ عَنْ مِلْكِهِ وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَلَكَهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهَذَا كَمَا ذُكِرَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هِبَةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَنَظَائِرِهِ (قَوْلُهُ: إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ بِإِذْنِهِ) يُخَالِفُ مَا قَدَّمَهُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ صَرِيحًا فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ فَمَتْنُهُ الْمُطْلَقُ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ يَصِحُّ فِي صَحِيحِهَا بِالتَّخْلِيَةِ) أَقُولُ التَّخْلِيَةُ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ بِقَوْلِ اقْبِضْهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ

(قَوْلُهُ: الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ) أَقُولُ فَهِيَ كَالْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ لَكِنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْقِيمَةِ بِهَلَاكِهَا فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسَنَذْكُرُهُ أَيْضًا عَنْ الْعُدَّةِ وَأَقُولُ فِي إطْلَاقِ ضَمَانِ الْفَاسِدَةِ بِهَلَاكِهَا تَأَمُّلٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ قَابِضٌ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِ الْهِبَةِ حِينَئِذٍ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ هِبَةٌ فَاسِدَةٌ لِتَسْلِيطِ الْمَالِكِ الْمَوْهُوبَ لَهُ عَلَى قَبْضِهَا وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ بَلْ وَعَلَى إطْلَاقِهَا بِلَا بَدَلٍ فَلَا يُحْكَمُ بِالضَّمَانِ بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ وَالتَّلَفِ فِي يَدِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَتْلَفَهَا بِصُنْعِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ أَذِنَ بِالْقَبْضِ صَرِيحًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ) وَنَصُّهُ وَفِي فَوَائِدِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَبِهِ يُفْتَى ثُمَّ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ هَلْ يَثْبُتُ وَلَايَةُ الرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ فِيمَا إذَا وَهَبَ هِبَةً فَاسِدَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ قَالَ أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قُلْت وَقَدْ ذَكَرَ الْعِمَادِيُّ قَبْلَ هَذَا مُوَافَقَتَهُ بِقَوْلِهِ مِنْهَا أَيْ صُوَرُ الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا وَهَبَ لِاثْنَيْنِ شَيْئًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَإِذَا قَبَضَاهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِمَا وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَقَالَ بِهِ يُفْتَى اهـ. ثُمَّ قَالَ الْعِمَادِيُّ عَقِبَهُ وَذَكَرَ فِي الْعُدَّةِ الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ أَمَّا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْقَبْضِ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ.

(قُلْت) فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذِكْرُ التَّصْحِيحَيْنِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى فَلِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ مَضْمُونٌ. . . إلَخْ) هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَلِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ مَضْمُونٌ لَا يَكُونُ مُتَّجَهًا إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْمِلْكِ وَإِلَّا فَكَيْفَ يَكُونُ مَالِكًا وَضَامِنًا فَمَا ذَكَرَ مِنْ اسْتِقَامَةِ الْجَوَابِ فِيهِ تَظْهَرُ عَلَى إطْلَاقِ قَوْلِهِ إنَّ الْمُفْتَى بِهِ إفَادَةُ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ فِيمَا وُهِبَ لَهُ هِبَةً فَاسِدَةً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015