لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ.
(وَتَتِمُّ) عَطْفٌ عَلَى تَصِحُّ (بِالْقَبْضِ) قَالَ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ رُكْنُ الْهِبَةِ الْإِيجَابُ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَيَتِمُّ مِنْ جِهَةِ الْمُتَبَرِّعِ أَمَّا فِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ ثُمَّ لَا يَنْفُذُ مِلْكُهُ فِيهِ إلَّا بِالْقَبْضِ (الْكَامِلِ) الْمُمْكِنِ فِي الْمَوْهُوبِ وَالْقَبْضُ الْكَامِلُ فِي الْمَنْقُولِ مَا يُنَاسِبُهُ وَفِي الْعَقَارِ مَا يُنَاسِبُهُ فَقَبْضُ مِفْتَاحِ الدَّارِ قَبْضٌ لَهَا وَالْقَبْضُ الْكَامِلُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِالْقِسْمَةِ حَتَّى يَقَعَ الْقَبْضُ عَلَى الْمَوْهُوبِ بِالْأَصَالَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بِتَبَعِيَّةِ قَبْضِ الْكُلِّ وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِتَبَعِيَّةِ الْكُلِّ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (شَاغِلًا لِمِلْكِ الْوَاهِبِ لَا مَشْغُولًا بِهِ فَتَتِمُّ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَتَتِمُّ بِالْقَبْضِ الْكَامِلِ (بِالْقَبْضِ فِي مَجْلِسِهَا) أَيْ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ (بِلَا إذْنِهِ) أَيْ الْوَاهِبِ (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ (بِهِ) أَيْ بِإِذْنِهِ -
(وَلَوْ نَهَاهُ) أَيْ نَهَى الْوَاهِبُ الْمَوْهُوبَ لَهُ عَنْ الْقَبْضِ (لَمْ يَصِحَّ) الْقَبْضُ (مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ إذْ لَا عِبْرَةَ لِلدَّلَالَةِ بِمُقَابَلَةِ التَّصْرِيحِ (فِي مَحُوزٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَتِمُّ بِالْقَبْضِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُفْرَغًا عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَحَقِّهِ وَاحْتِرَازٌ عَنْ هِبَةِ التَّمْرِ عَلَى النَّخْلِ وَنَحْوِهِ كَمَا سَيَأْتِي -
(مَقْسُومٍ) أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ الْقِسْمَةُ وَلَمْ يَبْقَ مَشَاعًا (وَمَشَاعٌ لَا يُقْسَمُ) أَيْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْسَمَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَصْلًا كَعَبْدٍ وَاحِدٍ وَدَابَّةٍ وَاحِدَةٍ إذْ لَا يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنْ جِنْسِ الِانْتِفَاعِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ وَالْحَمَّامِ الصَّغِيرِ وَالثَّوْبِ الصَّغِيرِ (لَا) أَيْ لَا تَتِمُّ بِالْقَبْضِ (فِيمَا) أَيْ مَشَاعٍ (يُقْسَمُ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ الْقِسْمَةُ كَالْأَرْضِ وَالثَّوْبِ الْمَذْرُوعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ -
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةً أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ (لِشَرِيكِهِ) أَيْ لِشَرِيكِ الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الْكَامِلَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ (فَإِنْ قَسَمَهُ) أَيْ أَفْرَزَ الْجُزْءَ الْمَوْهُوبَ الْمَشَاعَ (وَسَلَّمَهُ) أَيْ الْمَوْهُوبَ لَهُ (تَمَّتْ) الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ فِيهِ وَلَوْ سَلَّمَهُ شَائِعًا لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَيَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْوَاهِبِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ كَلَبَنٍ فِي ضَرْعٍ وَصُوفٍ عَلَى غَنَمٍ وَزَرْعٍ وَنَخْلٍ فِي أَرْضٍ وَتَمْرٍ عَلَى نَخْلٍ هَذِهِ نَظَائِرُ الْمَشَاعِ لَا أَمْثِلَتُهَا إذْ لَا شُيُوعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَكِنَّهَا فِي حُكْمِ الْمَشَاعِ حَتَّى إذَا فُصِلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَسُلِّمَتْ صَحَّ هِبَتُهَا كَمَا فِي الْمَشَاعِ (بِخِلَافِ دَقِيقٍ فِي بُرٍّ وَدُهْنٍ فِي سِمْسِمٍ وَسَمْنٍ فِي لَبَنٍ حَيْثُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ أَفْرَزَهَا وَسَلَّمَهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ وَسِرُّهُ أَنَّ الْحِنْطَةَ اسْتَحَالَتْ وَصَارَتْ دَقِيقًا وَكَذَا غَيْرُهَا وَبَعْدَ الِاسْتِحَالَةِ هُوَ عَيْنٌ آخَرُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْغَصْبِ بِخِلَافِ الْمَشَاعِ، فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لِلْمِلْكِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ جَازَ -
(وَتَتِمُّ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَتَتِمُّ بِالْقَبْضِ وَتَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ شَاغِلًا لِمِلْكِ الْوَاهِبِ لَا مَشْغُولًا بِهِ (فِي مَتَاعٍ فِي دَارِهِ وَطَعَامٍ فِي جِرَابِهِ إذَا سَلَّمَهُمَا بِمَا فِيهِمَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ) يَعْنِي لَوْ وَهَبَ مَتَاعًا فِي دَارِهِ أَوْ طَعَامًا فِي جِرَابِهِ وَسَلَّمَهُمَا أَيْ الدَّارَ وَالْجِرَابَ بِمَا فِيهِمَا صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي الْمَتَاعِ وَالطَّعَامِ وَلَوْ وَهَبَ دَارًا وَفِيهَا مَتَاعُ الْوَاهِبِ وَسَلَّمَ الْكُلَّ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ وَهَبَ جِرَابًا وَفِيهِ طَعَامُ الْوَاهِبِ وَسَلَّمَ الْجِرَابَ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَوْهُوبَ مَتَى كَانَ مَشْغُولًا بِمِلْكِ الْوَاهِبِ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ وَمَتَى كَانَ شَاغِلًا لَا يَمْتَنِعُ التَّسْلِيمُ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْمَوْهُوبُ شَاغِلٌ لَا مَشْغُولٌ وَفِي الثَّانِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بِتَبَعِيَّةِ قَبْضِ الْكُلِّ) أَقُولُ يَعْنِي أَنَّ قَبْضَ بَعْضِ مَا يُقْسَمُ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ لَا يُفْسِدُ الْمِلْكَ حَتَّى لَوْ وَهَبَ نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ وَدَفَعَ الدَّارَ إلَيْهِ فَبَاعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَا وُهِبَ لَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ هِبَةً لَمْ يَقْبِضْهَا
(قَوْلُهُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ) أَقُولُ وَقَالَ عُقْبَةُ ذَكَرَ عِصَامٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تُفِيدُ الْمِلْكَ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَسَيَأْتِي أَنَّ الْهِبَةَ الْفَاسِدَةَ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَبِهِ يُفْتَى
(قَوْلُهُ: وَتَتِمُّ فِي مَتَاعٍ فِي دَارِهِ وَطَعَامٍ فِي جِرَابِهِ إذَا سَلَّمَهُمَا بِمَا فِيهِمَا) هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْمَوْهُوبَ دُونَ مَا هُوَ فِيهِ يَصِحُّ أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْمَوْهُوبُ شَاغِلٌ) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ شَاغِلًا فَحَذَفَ كَانَ وَاسْمَهَا وَأَبْقَى خَبَرَهَا وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ عَلَى قِلَّةٍ لَا يَصِحُّ هُنَا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ لَا مَشْغُولٌ