(إلَّا حَبَّةً فَسَدَ) أَيْ الْبَيْعُ (فِي الْكُلِّ) لِلُّزُومِ الرِّبَا (بِخِلَافِ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً) إذْ يَكُونُ النِّصْفُ إلَّا حَبَّةً بِمِثْلِهِ وَمَا بَقِيَ بِالْفُلُوسِ (وَلَوْ كَرَّرَ أَعْطِنِي) بِأَنْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً (صَحَّ) أَيْ الْبَيْعُ (فِي الْفُلُوسِ فَقَطْ) وَلَمْ يَصِحَّ فِي نِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَرَّرَ صَارَ عَقْدَيْنِ وَفِي الثَّانِي رِبَا وَفَسَادُ أَحَدِ الْبَيْعَيْنِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْآخَرِ.

(تَذْنِيبٌ)

[بيع الوفاء]

لِكِتَابِ الْبَيْعِ (بَيْعُ الْوَفَاءِ قِيلَ رَهْنٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ فِي فَتَاوَاهُ الْبَيْعُ الَّذِي تَعَارَفَهُ أَهْلُ زَمَانِنَا احْتِيَالًا لِلرِّبَا وَسَمَّوْهُ بَيْعَ الْوَفَاءِ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ رَهْنٌ وَهَذَا الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَالرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يُطْلَقُ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَكَلَ مِنْ ثَمَرِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ مِنْ شَجَرِهِ وَالدَّيْنُ يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ إذَا هَلَكَ عَنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَلِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُهُ إذَا قَضَى دَيْنَهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّهْنِ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَإِنْ سَمَّيَاهُ بَيْعًا وَلَكِنَّ غَرَضَهُمَا الرَّهْنُ وَالِاسْتِيثَاقُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَقُولُ لِكُلِّ أَحَدٍ بَعْدَ هَذَا الْعَقْدِ رَهَنْتَ مِلْكِي فُلَانًا وَالْمُشْتَرِي يَقُولُ ارْتَهَنْتُ مِلْكَ فُلَانٍ وَالْعِبْرَةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ لِلْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي لَا الْأَلْفَاظِ وَالْمَبَانِي فَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ كَفَالَةٌ وَهِبَةُ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ مَعَ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ نِكَاحٌ وَالِاسْتِصْنَاعُ الْفَاسِدُ إذَا ضُرِبَ فِيهِ الْأَجَلُ سَلِمَ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَكَانَ الْإِمَامُ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ عَلَى هَذَا (وَقِيلَ بَيْعٌ) ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ عَلَى صِحَّتِهِ بَيْعًا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ بَعْضُ السَّلَفِ؛ لِأَنَّهُمَا تَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شَرْطٍ فِيهِ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَلْفُوظِ نَصًّا دُونَ الْمَقْصُودِ، فَإِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ مَا جَامَعَهَا صَحَّ الْعَقْدُ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ قَاضِي خَانْ (الصَّحِيحُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَقْدَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا (إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ رَهْنًا) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ شَرْعًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ مُسْتَقِلَّةٌ بَلْ يَكُونُ بَيْعًا.

(فَإِنْ شَرَطَا) أَيْ الْعَاقِدَانِ (الْفَسْخَ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَقْدِ (فَسَدَ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِهِ (كَذَا) أَيْ يَفْسُدُ أَيْضًا (إنْ لَمْ يَشْتَرِطَاهُ) أَيْ الْفَسْخَ.

(وَ) لَكِنْ (تَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُفْسِدٌ لَهُ (أَوْ) تَلَفَّظَا (بِالْبَيْعِ الْجَائِزِ وَعِنْدَهُمَا) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ فِي زَعْمِهِمَا (هُوَ بَيْعٌ غَيْرُ لَازِمٍ)

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ كَرَّرَ أَعْطِنِي صَحَّ أَيْ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ فَقَطْ) هَذَا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ فِي الْمَوَاهِبِ اهـ.

وَيَبْطُلُ فِي الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ قَالُوا فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَعْطِنِي مُسَاوَمَةً كَلَفْظِ بِعْنِي بِالْمُسَاوِمَةِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فَكَيْفَ يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِهِ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ تَكْرَارُ أَعْطِنِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ تَفْرِيقُ الْعَقْدِ فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا عَقَدَا عَقْدَيْنِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي السَّابِقَةِ أَنَّ الْعَقْدَ يَتَكَرَّرُ عِنْدَهُ بِتَكْرَارِ اللَّفْظِ وَعِنْدَهُمَا بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَوَجْهُ الْإِجْمَاعِ فِي الثَّانِيَةِ حُصُولُ التَّكْرَارِ وَتَفْصِيلُ الثَّمَنِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.

[تَذْنِيبٌ لِكِتَابِ الْبَيْعِ]

[بَيْعُ الْوَفَاءِ]

(تَذْنِيبٌ) . (قَوْلُهُ: قِيلَ رَهْنٌ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَذْكُرَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ؛ لِأَنَّ سَنَدَهُ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ قَالَ الشَّيْخُ. . . إلَخْ يَقُولُ بَيْعُ الْوَفَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ كَذَا وَقَوْلُهُ قَالَ الشَّيْخُ إلَى، وَكَانَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ مِنْ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ بِالْحَرْفِ وَفِيهِ زِيَادَةُ تَقْوِيَةٍ لِهَذَا الْقَوْلِ يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا (قَوْلُهُ وَقِيلَ بَيْعٌ) مُسْتَنَدُهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ذَكَرَهُ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ. . . إلَخْ وَهُوَ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لَفْظٌ وَقِيلَ بَلْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَكَانَ يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ كَذَلِكَ وَذَكَرَ بَعْدَهُ مَا يُؤَيِّدُهُ مِنْ غَيْرِ صِيغَةِ تَمْرِيضٍ (قَوْلُهُ وَقِيلَ قَائِلُهُ قَاضِي خَانْ. . . إلَخْ) مِنْ الْعِمَادِيَّةِ أَيْضًا وَعِبَارَتُهُ.

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْبَيْعُ الَّذِي اعْتَادَهُ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ وَيُسَمُّونَهُ بَيْعَ الْوَفَاءِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ. . . إلَخْ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَفْعَلَ كَذَلِكَ، وَقَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى بَعْضِ مَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَلَا وَجْهَ لَهُ فَعَلَيْك بِمُرَاجَعَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ تِسْعَةَ أَقْوَالٍ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ يَجِبُ مُرَاجَعَتُهَا فَذَكَرَ فِيهَا مَا نَصُّهُ أَجَابَ عِمَادُ الدِّينِ وَعَلَاءُ الدِّينِ بَدْرٌ وَمِنْهَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي الْمُشْتَرِي وَفَاءً إذَا بَاعَ بَاتًّا أَوْ وَفَاءً أَوْ وَهَبَ أَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي وَفَاءً فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي أَحْكَامِ الْوَفَاةِ اهـ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَهَلْ كَذَلِكَ وَرَثَةُ الْبَائِعِ وَفَاءً فَلْيُنْظَرْ وَمِنْ الْأَقْوَالِ التِّسْعَةِ قَوْلٌ جَامِعٌ لِبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ فَاسِدٌ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ حَتَّى مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْفَسْخَ وَصَحِيحٌ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَحِلِّ الْإِنْزَالِ وَمَنَافِعِ الْمَبِيعِ وَرَهْنٍ فِي حَقِّ الْبَعْضِ حَتَّى لَمْ يَمْلِكْ الْمُشْتَرِي بَيْعَهُ مِنْ آخَرَ وَلَا رَهْنَهُ وَلَا يَمْلِكُ قَطْعَ الشَّجَرِ وَلَا هَدْمَ الْبِنَاءِ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ وَانْقَسَمَ الثَّمَنُ إنْ دَخَلَهُ نُقْصَانٌ كَمَا فِي الرَّهْنِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْدِلَ فِي الْإِفْتَاءِ عَنْ الْقَوْلِ الْجَامِعِ. اهـ.

قُلْت وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ وَرَثَةَ الْبَائِعِ يَقُومُونَ مَقَامَهُ كَوَرَثَةِ الْمُشْتَرِي نَظَرًا لِجَانِبِ الرَّهْنِ وَهِيَ حَادِثَةُ حَالٍ. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015