وَكُلُّ مَا نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَزْنًا فَهُوَ وَزْنِيٌّ أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ فِيهِ الْوَزْنَ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (لَا يُغَيَّرَانِ بِعُرْفٍ) لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ وَالْأَقْوَى لَا يُتْرَكُ بِالْأَدْنَى (بِخِلَافِ مَا عَدَاهَا) أَيْ مَا عَدَا الْأَشْيَاءَ السِّتَّةَ فَإِنَّ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» .
(فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَسَاوِيًا وَزْنًا وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا كَمَا لَمْ يَجُزْ مُجَازَفَةً) وَإِنْ تَعَارَفُوا ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْفَضْلِ عَلَى مَا هُوَ الْمِعْيَارُ فِيهِ إلَّا أَنَّ السَّلَمَ يَجُوزُ فِي الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا وَزْنًا لِوُجُودِ السَّلَمِ فِي مَعْلُومٍ (وَجَازَ بَيْعُ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا، وَإِذَا بَقِيَتْ أَثْمَانًا لَا تَتَعَيَّنُ فَصَارَ كَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَلَهُمَا أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي حَقِّهِمَا ثَبَتَتْ بِاصْطِلَاحِهِمَا إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِمَا فَتَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا، وَإِذَا بَطَلَتْ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بِخِلَافِ النُّقُودِ؛ لِأَنَّهَا لِلثَّمَنِيَّةِ خِلْقَةً.
(وَ) أَجَازَ بَيْعُ (الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَبِالتَّمْرِ، وَ) بَيْعُ (التَّمْرِ بِالْبُسْرِ، وَ) بَيْعُ (الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ، وَ) بَيْعُ (الْبُرِّ رُطَبًا أَوْ مَبْلُولًا بِمِثْلِهِ أَوْ بِالْيَابِسِ، وَ) بَيْعُ (التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ الْمُنْقَعِ بِالْمُنْقَعِ مِنْهُمَا، وَ) بَيْعُ (الدَّقِيقِ بِمِثْلِهِ) نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّ بَيْعَ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَكْبُوسَيْنِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ قَوْلُهُ (مُتَسَاوِيًا) قُيِّدَ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْعُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ بِلَا اخْتِلَافِ الصِّفَةِ جَازَ مُتَسَاوِيًا وَكَذَا مَعَ اخْتِلَافِ الصِّفَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» وَإِلَّا جَازَ كَيْفَمَا كَانَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» .
. (وَ) جَازَ بَيْعُ (اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَ) بَيْعُ (اللُّحُومِ وَالْأَلْبَانِ الْمُخْتَلِفَيْنِ) أَيْ بَيْعُ لَحْمِ الْغَنَمِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ وَبِالْعَكْسِ وَكَذَا لَبَنُهُمَا (بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَ) بَيْعُ (الْكِرْبَاسِ بِالْقُطْنِ وَبِالْغَزْلِ، وَ) بَيْعُ (خَلِّ الدَّقَلِ) وَهُوَ أَرْدَأُ التَّمْرِ (بِخَلِّ الْعِنَبِ وَبَيْعُ شَحْمِ الْبَطْنِ بِالْأَلْيَةِ وَبِاللَّحْمِ، وَ) بَيْعُ (الْخُبْزِ بِالْبُرِّ وَالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا) هَذَا قَيْدٌ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ مِنْ اللَّحْمِ إلَى هَاهُنَا وَجْهُ جَوَازِهِ مُتَفَاضِلًا اخْتِلَافُ أَجْنَاسِهَا (وَبِالنَّسْءِ) عَطْفٌ عَلَى مُتَفَاضِلًا أَيْ وَجَازَ الْبَيْعُ بِالنَّسْءِ أَيْضًا (فِي الْأَخِيرِ) وَهُوَ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْبُرِّ وَالدَّقِيقِ (وَبِهِ يُفْتَى)
لِحَاجَةِ النَّاسِ
لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ وَقْتَ الْقَبْضِ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي سُمِّيَ لِئَلَّا يَصِيرَ اسْتِبْدَالًا بِالْمُسَلَّمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ (لَا) بَيْعُ (الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ أَوْ بِالسَّوِيقِ أَوْ بِالنُّخَالَةِ) فَإِنَّ بَيْعَهُ بِهَا لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا لِبَقَاءِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْبُرِّ وَالْمِعْيَارُ فِيهَا الْكَيْلُ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَوٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبُرِّ لِاكْتِنَازِهَا فِي الْكَيْلِ وَتَخَلْخُلِ حَبَّاتِ الْبُرِّ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ كَيْلًا بِكَيْلٍ.
(وَ) لَا بَيْعُ (الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ) مُطْلَقًا أَيْضًا إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْمَشْوِيَّةِ وَلَا بَيْعُ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَكَذَا بَيْعُ أَجْزَائِهِمَا لِقِيَامِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ وَجْهٍ.
(وَ) لَا (الزَّيْتُونُ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ أَكْثَرَ مِمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَا يُغَيَّرَانِ بِالْعُرْفِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْفَتْحِ بِزِيَادَةٍ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ كَتَعَارُفِ أَهْلِ زَمَانِنَا إخْرَاجَ الشُّمُوعِ وَالسِّرَاجِ إلَى الْمَقَابِرِ لَيَالِيَ الْعِيدِ وَالنَّصُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ. . . إلَخْ) جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فَقَالَ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا إذَا كَانَا مَكْبُوسَيْنِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا. اهـ.
[بَيْعُ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَسَاوِيًا وَزْنًا وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا]
(قَوْلُهُ: وَبِالنَّسْءِ فِي الْأَخِيرِ وَهُوَ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْبُرِّ وَالدَّقِيقِ) يَعْنِي إذَا جَعَلَ الدَّقِيقَ أَوْ الْبُرَّ رَأْسَ مَالِ الْمُسْلِمِ فِي الْخُبْزِ لَكَانَ قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُمَا، أَمَّا لَوْ كَانَ الْخُبْزُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فِي الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالِاحْتِيَاطُ فِي مَنْعِهِ.
(قَوْلُهُ: لَا بَيْعُ الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ أَوْ السَّوِيقِ) أَيْ سَوِيقَةً أَمَّا سَوِيقُ الشَّعِيرِ فَيَجُوزُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ) أَيْ وَهُمَا مِنْ الْبُرِّ، أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ الشَّعِيرِ وَالْآخَرُ مِنْ الْبُرِّ فَيَجُوزُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَا الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ إذَا كَانَ الثِّقَلُ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ، أَمَّا إذَا كَانَ لَا قِيمَةَ لَهُ كَمَا فِي الزُّبْدِ بَعْدَ إخْرَاجِ السَّمْنِ مِنْهُ فَيَجُوزُ مُسَاوَاةُ الْخَارِجِ لِلسَّمْنِ الْمُفْرَزِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُجَانَسَةَ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ فَتَمْنَعُ النَّسِيئَةَ كَمَا فِي الْمُجَانَسَةِ الْعَيْنِيَّةِ وَذَلِكَ كَالزَّيْتِ مَعَ الزَّيْتُونِ وَالشَّيْرَجِ مَعَ السِّمْسِمِ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْمُتَجَانِسَيْنِ مُطَيَّبًا صَيَّرَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُ قَفِيزِ سِمْسِمٍ مُطَيَّبٍ بِقَفِيزَيْنِ غَيْرَ مُطَيَّبٍ وَرِطْلِ لَوْزِ مُطْبَقٍ بِوَرْدٍ أَوْ بَانٍ أَوْ خِلَافٌ بِرِطْلَيْ لَوْزٍ غَيْرِ مُطْبَقٍ وَرِطْلِ دُهْنِ لَوْزٍ مُطْبَقٍ بِزَهْرِ النَّارِنْجِ بِرِطْلَيْ دُهْنِ اللَّوْزِ الْخَالِصِ، وَكَذَا الزَّيْتُ الْمُطَيَّبُ بِغَيْرِ الْمُطَيَّبِ فَجَعَلُوا الرَّائِحَةَ الَّتِي فِيهَا بِإِزَاءِ الزِّيَادَةِ عَلَى الرِّطْلِ اهـ.
وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْجَوْزُ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنُ بِسَمْنِهِ وَالْعِنَبُ بِعَصِيرِهِ وَالتَّمْرُ بِدِبْسِهِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي إنْ كَانَ