لَا يَلْحَقُ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهُمَا (مُسْلِمًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» (عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا) فَإِنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ وَأَيْضًا الْقَاذِفُ صَادِقٌ فِيهِ وَعِفَّتُهُ أَعَمُّ مِنْ إنْ وَطِئَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ لَا وَبِهَذَا التَّعْمِيمِ يَمْتَازُ عَنْ إحْصَانِ الزِّنَا (بِصَرِيحِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَذَفَ أَيْ بِصَرِيحِ الزِّنَا بِأَنْ يَقُولَ زَنَيْت أَوْ يَا زَانِيَةُ أَوْ أَنْتِ زَانِيَةٌ وَنَحْوَهَا (أَوْ بِزَنَأْتِ فِي الْجَبَلِ) مَعْنَاهُ زَنَيْتِ فَإِنَّهُ يَجِيءُ مَهْمُوزًا أَيْضًا.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ هُوَ الصُّعُودُ أَوْ مُشْتَرَكٌ أَوْ الشُّبْهَةُ دَارِئَةٌ قُلْنَا حَالَةُ الْغَضَبِ تُرَجِّحُ ذَلِكَ (أَوْ لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ أَبِيهِ) أَيْ قَالَ لَسْتَ بِابْنِ زَيْدٍ الَّذِي هُوَ أَبُو الْمَقْذُوفِ فَقَوْلُهُ أَبِيهِ لَفْظُ الْمُصَنِّفِ (فِي غَصْبٍ) مُتَعَلِّقٌ بِزَنَأْتِ وَالْمَعْطُوفَيْنِ بَعْدَهُ وَنَفْيُ الْبُنُوَّةِ فِي غَيْرِ الْغَضَبِ يَحْتَمِلُ الْمُعَاتَبَةَ (حُدَّ) الْقَاذِفُ (بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ) الْمُحْصَنِ وَاشْتُرِطَ طَلَبُهُ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْهُ
(وَلَوْ) كَانَ الْمَقْذُوفُ (غَائِبًا) عَنْ مَجْلِسِ الْقَاذِفِ (حَالَةَ الْقَذْفِ) ذَكَرَ هَذَا التَّعْمِيمَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْمُضْمَرَاتِ وَلَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهِ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ (يَنْزِعُ الْفَرْوَ وَالْحَشْوَ فَقَطْ) مُتَعَلِّقٌ بِحُدَّ يَعْنِي لَا يُجَرَّدُ كَمَا يُجَرَّدُ فِي حَدِّ الزِّنَا لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْقَاذِفِ صَادِقًا لَكِنْ يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ إيصَالَ الْأَلَمِ إلَيْهِ
(لَا بِلَسْتَ) أَيْ لَا يُحَدُّ بِقَوْلِهِ لَسْت (بِابْنِ فُلَانٍ جَدِّهِ) بِالْجَرِّ صِفَةُ فُلَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي نَفْيِهِ (وَنِسْبَتِهِ) أَيْ وَلَا يُحَدُّ أَيْضًا بِنِسْبَتِهِ (إلَيْهِ) أَيْ جَدِّهِ (أَوْ وَإِلَى خَالِهِ وَعَمِّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ الْمَجْبُوبُ وَالرَّتْقَاءُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا لِأَنَّهُمَا وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِمَا تَعْرِيفُ الْمُحْصَنِ هُنَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ بِذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ وَالْأَخْرَسُ طَلَبُهُ بِالْإِشَارَةِ وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ يَنْطِقُ لَصَدَّقَهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالْمَبْسُوطِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهُمَا) يَعْنِي الزِّنَا الْمُؤْثِمَ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَذَفَ مُرَاهِقًا فَادَّعَى الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ أَوْ الِاحْتِلَامِ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ بِقَوْلِهِ اهـ فَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا لَوْ رَاهَقَا وَقَالَا بَلَغْنَا صُدِّقَا وَأَحْكَامُهُمَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ (قَوْلُهُ عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ هُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِكَفِّ نَفْسِهِ عَنْ الزِّنَا (قَوْلُهُ وَعِفَّتُهُ أَعَمُّ مِنْ إنْ وَطِئَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ لَا) يَعْنِي أَوْ لَا وَطِئَ أَصْلًا لَا صَحِيحًا وَلَا غَيْرَهُ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْعِفَّةِ قَالَ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالزِّنَا وَلَا بِشُبْهَةٍ وَلَا بِنِكَاحِ الْفَاسِدِ فِي عُمْرِهِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً يُرِيدُ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَوْ وَطِئَ أَمَةً مُشْتَرَكَةً سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَإِنْ وَطِئَ مَمْلُوكَتَهُ وَحُرْمَتُهَا مُؤَقَّتَةٌ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي الْحَيْضِ أَوْ أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَبَّدَةً يَسْقُطُ إحْصَانُهُ كَأَمَتِهِ وَهِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا اهـ.
وَيُسْتَفَادُ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ آخِرَ الْبَابِ اهـ.
وَلَمْ يُصَوِّرْ الْكَمَالُ بِوَطْءِ الْمَوْلَى الْأَمَةَ الَّتِي زَوَّجَهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ مِلْكَ مُتْعَتِهَا لَيْسَ إلَّا لِزَوْجِهَا بِخِلَافِ الْمَجُوسِيَّةِ إذْ حُرْمَتُهَا لِعَارِضٍ فَتَمْثِيلُ الزَّيْلَعِيِّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ الْمَنْكُوحَةِ فِيمَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ فِيهِنَّ ثَابِتٌ بِنَفْيِ ذَلِكَ التَّصْوِيرِ إذْ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي مُتْعَةِ أَمَتِهِ الَّتِي زَوَّجَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ وَلَوْ مَسَّ امْرَأَةً أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ فَتَزَوَّجَ بِنْتَهَا أَوْ أُمَّهَا وَدَخَلَ بِهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ لِتَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ وَلَهُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ نِكَاحَهَا وَإِنَّمَا قَالَ بِحُرْمَتِهَا احْتِيَاطًا فَهِيَ حُرْمَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يَنْتَفِي بِهَا الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِزِنَا الْأَبِ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَلَا يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ فِيهَا مَعَ وُجُودِ النَّصِّ (قَوْلُهُ بِصَرِيحِهِ) أَيْ مِنْ أَيِّ لِسَانٍ كَانَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِي فَقَالَ لَهُ غَيْرُهُ صَدَقْت حُدَّ الْمُبْتَدِئُ دُونَ الْمُصَدِّقِ وَلَوْ قَالَ لَهُ صَدَقْتَ هُوَ كَمَا قُلْتَ فَهُوَ قَاذِفٌ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ زَنَيْتَ بِبَعِيرٍ أَوْ نَاقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ لِإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالزِّنَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقَرِينَةٍ وَيَجِبُ فِي بَعْضِهَا مَعَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ مِثْلُ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ صَدَقْت هُوَ كَمَا قُلْت فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ لِضَبْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اهـ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَنَحْوَهَا) يَعْنِي كَقَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ زَنَيْتِ بِنَاقَةٍ أَوْ أَتَانٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ زَنَيْت وَأَخَذْت الْبَدَلَ وَلَوْ قَالَ زَنَيْتُ بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الزِّنَا إدْخَالُ رَجُلٍ ذَكَرَهُ. . . إلَخْ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ بِزَنَأْتِ فِي الْجَبَلِ) وَكَذَا يُحَدُّ لَوْ قَالَ عَلَى الْجَبَلِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَقِيلَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ لَفْظَةَ عَلَى تَعْيِينِ كَوْنِ الْمُرَادِ الصُّعُودَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ لَسْتَ لِأَبِيك. . . إلَخْ) يَعْنِي وَأُمُّ الْمَقْذُوفِ مُحْصَنَةٌ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ قَذْفٌ لَهَا وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَفَاهُ عَنْ أُمِّهِ أَوْ قَالَ لَسْتَ لِأَبِيك وَأُمِّك أَوْ لَسْتَ ابْنَ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ وَهُمَا أَبَوَاهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي غَضَبٍ مُتَعَلِّقٌ بِزَنَأْتِ وَالْمَعْطُوفَيْنِ بَعْدَهُ) اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ فِي غَضَبٍ وَاضِحٌ فِي الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ مُطْلَقَةً عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْغَضَبِ وَقَدْ حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ كَاَلَّتِي تَلِيهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الْكَمَالُ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا أَوْ لَسْت لِأَبِيك وَأُمُّهُ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ اهـ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي قَاضِي خَانْ قَالَ لِرَجُلٍ لَسْتَ لِأَبِيك عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَذَفَ كَانَ ذَلِكَ فِي غَضَبٍ أَوْ رِضَا اهـ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَاشْتَرَطَ طَلَبَهُ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقِّ اللَّهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ