الْخَمْرِ (وَأَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ السُّكْرِ بِغَيْرِهَا (مَرَّةً أَوْ شَهِدَ بِهِ رَجُلَانِ) لَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ (وَعُلِمَ شُرْبُهُ طَوْعًا) فَإِنَّ الشُّرْبَ بِالْإِكْرَاهِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ (حُدَّ صَاحِيًا) لِيَتَأَدَّبَ بِهِ وَيَنْزَجِرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَتَأَلَّمُ حَالَ السُّكْرِ (ثَمَانِينَ سَوْطًا لِلْحُرِّ وَنِصْفُهَا لِلْعَبْدِ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - (يُنْزَعُ ثَوْبُهُ) يَعْنِي إلَّا الْإِزَارَ (وَيُفَرَّقُ عَلَى جِلْدِهِ كَمَا فِي الزِّنَا) لِمَا مَرَّ ثَمَّةَ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِشُرْبِ الْخَمْرِ (أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الرِّيحِ) قَيْدٌ لِمَجْمُوعِ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ (أَوْ تَقَيَّأَهَا) أَيْ عُلِمَ شُرْبُهَا بِأَنْ تَقَيَّأَهَا (أَوْ وُجِدَ رِيحُهَا مِنْهُ) بِلَا إقْرَارٍ أَوْ شَهَادَةٍ (أَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَ) شَرِبَ (السَّكَرَ) بِفَتْحَتَيْنِ عَصِيرَ الرُّطَبِ إذَا اشْتَدَّ وَقِيلَ هُوَ كُلُّ شَرَابٍ مُسْكِرٍ (أَوْ أَقَرَّ سَكْرَانُ لَا) أَيْ لَا يُحَدُّ أَمَّا عَدَمُ الْحَدِّ بَعْدَ زَوَالِ الرِّيحِ فَلِأَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا إجْمَاعَ إلَّا بِرَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ شَرْطُ قِيَامِ الرَّائِحَةِ وَأَمَّا عَدَمُهُ بِتَقَيُّئِهَا وَوُجِدَ أَنَّ رِيحَهَا فَلِأَنَّ الرَّائِحَةَ مُحْتَمَلَةٌ وَكَذَا الشُّرْبُ قَدْ يَقَعُ عَنْ إكْرَاهٍ وَاضْطِرَارٍ وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ وَشَرِبَهُ طَوْعًا لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ وَكَذَا شُرْبُ الْمُكْرَهِ لَا يُوجِبُ وَأَمَّا عَدَمُهُ بِالرُّجُوعِ عَنْ إقْرَارِهِ فَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَعْمَلُ فِيهِ الرُّجُوعُ وَأَمَّا عَدَمُهُ فِي إقْرَارِ السَّكْرَانِ فَلِزِيَادَةِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ فَيُحْتَالُ فِي دَرْئِهِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ (وَلَوْ ارْتَدَّ) السَّكْرَانُ زَائِلُ الْعَقْلِ (لَا يَحْرُمُ عِرْسُهُ) لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ وَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ زَوَالِ الْعَقْلِ (أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ فَهَرَبَ فَشَرِبَ ثَانِيًا يُسْتَأْنَفُ الْحَدُّ كَذَا فِي الزِّنَا) لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْحُدُودَ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تَتَدَاخَلُ
(هُوَ كَحَدِّ الشُّرْبِ كَمِّيَّةً) أَيْ عَدَدًا وَهُوَ ثَمَانُونَ جَلْدَةٍ لِلْحُرِّ وَنِصْفُهَا لِغَيْرِهِ (وَثُبُوتًا) حَيْثُ يَثْبُتُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُدُودِ (وَإِذَا قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً) وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى الْإِحْصَانِ هَاهُنَا مُغَايِرًا لِمَعْنَى الْإِحْصَانِ فِي الزِّنَا فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (أَيْ مُكَلَّفًا) يَعْنِي عَاقِلًا بَالِغًا وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَارَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَأَقَرَّ بِهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يُحَدُّ بِإِشَارَتِهِ بِشُرْبِهِ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِسُؤَالِ الْقَاضِي الْمُقِرَّ عَنْ الْخَمْرِ مَا هِيَ وَكَيْفَ شَرِبَهَا وَأَيْنَ شَرِبَ وَيَنْبَغِي ذَلِكَ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعُلِمَ شُرْبُهُ طَوْعًا إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ السُّكْرِ بِغَيْرِهَا) يَعْنِي وَرِيحُهَا لَمْ تَزُلْ كَمَا فِي الْخَمْرِ (قَوْلُهُ أَوْ شَهِدَ بِهِ رَجُلَانِ) لَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ الْقَاضِي لَهُمْ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ قَاضِي خَانْ يَسْأَلُهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْخَمْرِ مَا هِيَ ثُمَّ سَأَلَهُمْ كَيْفَ شَرِبَ لِاحْتِمَالِ الْإِكْرَاهِ وَأَيْنَ شَرِبَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَرِبَ فِي دَارِ الْحَرْبِ اهـ.
(قَوْلُهُ حُدَّ صَاحِيًا) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَحْثًا مِنْهُ ظَاهِرُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِحَدِّهِ حَالَ سُكْرِهِ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ اهـ.
وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ يُنْزَعُ ثَوْبُهُ) أَيْ الرَّجُلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ) لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ وَهَلْ يُحَدُّ فِي هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ يَعْنِي نَبِيذَ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ قِيلَ لَا يُحَدُّ قَالُوا الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَطْبُوخِ وَالنِّيءِ وَكَذَا الْمُتَّخَذُ مِنْ الْأَلْبَانِ إذَا اشْتَدَّ اهـ.
وَكَذَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ الْهِدَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِمَا هُنَا ثُمَّ قَالَ وَهُوَ أَيْ لُزُومُ الْحَدِّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَقَدْ صَرَّحَ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ إطْلَاقَ قَوْلِهِ هُنَا لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ لَا يُوجِبُ حَدًّا غَيْرُ الْمُخْتَارِ وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ أَنَّهُمَا سُئِلَا فِيمَنْ شَرِبَ الْبَنْجَ فَارْتَفَعَ إلَى رَأْسِهِ وَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ هَلْ يَقَعُ قَالَا إنْ كَانَ يَعْلَمُهُ حِينَ شَرِبَهُ مَا هُوَ يَقَعُ اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِذَا سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ وَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا عَتَاقُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا نِكَاحُهُ وَلَا إقْرَارُهُ وَلَا رِدَّتُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِإِقْرَارِهِ بِسَرِقَةٍ وَيَضْمَنُ الْمَالَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ. . . إلَخْ)
قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ كَالْمُكْرَهِ اهـ ثُمَّ قَالَ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ إسْلَامَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ. . . إلَخْ) هَذَا قَضَاءً أَمَّا دِيَانَةً فَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ قَصَدَ التَّكَلُّمَ بِهِ ذَاكِرًا لِمَعْنَاهُ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْفَتْحِ
[بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ]
(بَابٌ حَدُّ الْقَذْفِ) الْقَذْفُ لُغَةً الرَّمْيُ بِالشَّيْءِ وَشَرْعًا الرَّمْيُ بِالزِّنَا وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الشَّافِعِيَّةُ مَا كَانَ فِي خَلْوَةٍ لِعَدَمِ لُحُوقِ الْعَارِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ وَنَاقَشَهُ أَخُوهُ الشَّيْخُ عُمَرُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ وَيَسْأَلُهُمَا الْقَاضِي عَنْ الْقَذْفِ مَا هُوَ وَعَنْ خُصُوصِ مَا قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى اللُّغَةِ الَّتِي وَقَعَ الْقَذْفُ بِهَا إذْ لَوْ اخْتَلَفُوا فِيهَا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ وَكَذَا الِاتِّفَاقُ عَلَى زَمَانِ الْقَذْفِ اهـ.
(قَوْلُهُ إذَا قَذَفَ) أَيْ وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ فَإِنْ أَقَامَهَا لَمْ يُحَدَّ أَيْ الْقَاذِفُ وَكَذَا الْمَقْذُوفُ إنْ تَقَادَمَ السَّبَبُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ مُكَلَّفًا. . . إلَخْ) أَسْقَطَ مِنْهُ قَيْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مَجْبُوبًا وَلَا أَخْرَسَ وَلَا خُنْثَى مُشْكِلًا وَأَنْ لَا تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ وَلَا خَرْسَاءَ