الْوَاقِعِ فِي الْمَمْلُوكِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الْكَنْزِ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ، وَقَوْلَ شَارِحِهِ الزَّيْلَعِيِّ احْتَرَزَ الشَّيْخُ عَنْ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ بِقَوْلِهِ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَلَفْظَ الْوِقَايَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَنْ دُبُرٍ مُطْلَقًا وَقَوْلَ شَارِحِهِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ إنَّمَا قَالَ: مُطْلَقًا احْتِرَازًا عَنْ الْمُقَيَّدِ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي نَعَمْ يَرِدُ عَلَى الْمَبْسُوطِ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِك لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي لِخُرُوجِ الْمُعَلَّقِ بِمَوْتِ الْغَيْرِ عَنْ الْمُقَيَّدِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ كَلَامُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ وَمَا ذُكِرَ نَادِرُ الْوُقُوعِ.
(وَهُوَ إمَّا مُطْلَقٌ كَإِذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ دَبَّرْتُك أَوْ) أَنْتَ (حُرٌّ إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ) أَيْ إنْ مِتّ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ (وَغَلَبَ مَوْتُهُ قَبْلَهَا) بِأَنْ يَكُونَ ابْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً مَثَلًا فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُقَيَّدٌ، وَفِي الْمَعْنَى مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ الْمُطْلَقِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يُرْهَنُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمِلْكِ) بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (إلَّا بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْكِتَابَةِ) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ انْتِقَالُهُ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ (وَيُسْتَخْدَمُ وَيُسْتَأْجَرُ) ، وَالْأَمَةُ تُوطَأُ وَتُنْكَحُ، وَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِكَسْبِهِ وَأَرْشِهِ وَمَهْرِ الْمُدَبَّرَةِ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ (وَبِمَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ الْمَوْلَى (يَعْتِقُ) الْمُدَبَّرُ (مِنْ الثُّلُثِ، وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ إنْ لَمْ يَتْرُكْ) الْمَوْلَى (غَيْرَهُ) مِنْ الْمَالِ (وَلَهُ وَارِثٌ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ لِلْمَوْلَى وَارِثًا (وَلَمْ يُجِزْهُ) أَيْ التَّدْبِيرَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَوْ كَانَ لَكِنَّهُ أَجَازَهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَيَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ.
(وَ) يَسْعَى (فِي كُلِّهِ) أَيْ كُلِّ قِيمَتِهِ (لَوْ) كَانَ الْمَوْلَى (مَدْيُونًا) وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ.
(وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا (وَإِمَّا مُقَيَّدٌ) عَطْفٌ عَلَى إمَّا مُطْلَقٌ (كَأَنْ مِتّ فِي سَفَرِي هَذَا أَوْ مَرَضِي هَذَا أَوْ مَاتَ فُلَانٌ أَوْ مِتّ إلَى سَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا) أَيْ عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا (مِمَّا يَقَعُ غَالِبًا) هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ مِمَّا يُمْكِنُ غَالِبًا (فَيُبَاعُ وَيُوهَبُ وَيُرْهَنُ) فَإِنَّ الْمَوْتَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لَيْسَ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ فَلَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَإِذَا انْتَفَى مَعْنَى السَّبِيَّةِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْعَدَمِ بَقِيَ تَعْلِيقًا كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ فَلَا يُمْنَعُ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ (وَيَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ) ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمَّا صَارَتْ مُتَعَيَّنَةً فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَاةِ أَخِذَ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَوْتِ وَزَوَالِ التَّرَدُّدِ.
(صَحِيحٌ قَالَ) لِعَبْدِهِ (أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَمَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ عَتَقَ مِنْ كُلِّ مَالِهِ) يَعْنِي رَجُلٌ صَحِيحٌ قَالَ لِعَبْدِهِ: هَذَا الْكَلَامَ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْتِقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: نَعَمْ يَرِدُ عَلَى الْمَبْسُوطِ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي لِخُرُوجِ الْمُعَلَّقِ بِمَوْتِ الْغَيْرِ عَنْ الْمُقَيَّدِ) الْإِيرَادُ سَاقِطٌ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمَوْتِ غَيْرِ سَيِّدِهِ لَيْسَ مُدَبَّرًا أَصْلًا.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ) هَذَا إذْ لَمْ يَنْوِ النَّهَارَ فَقَطْ إذْ لَوْ نَوَاهُ دُونَ اللَّيْلِ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ بِاللَّيْلِ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلتَّوْقِيتِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى طُولِ الْمُدَّةِ أَوْ قِصَرِهَا كَمَا فِي التَّوْقِيتِ فِي النِّكَاحِ، وَالْمُخْتَارُ هُوَ الْأَوَّلُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ كَالْمُتَنَاقِضِ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا وَأَبْطَلَ بِهِ النِّكَاحَ وَهُنَا جَعَلَهُ تَأْبِيدًا مُوجِبًا لِلتَّدْبِيرِ اهـ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: قَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا لِلنَّهْيِ عَنْ النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي مَنْعِهِ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُبِيحِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الصُّورَةِ يُحَرِّمُهُ وَإِلَى الْمَعْنَى يُبِيحُهُ وَأَمَّا هُنَا فَنُظِرَ إلَى التَّأْبِيدِ الْمَعْنَوِيِّ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ فَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ فَلَا تَنَاقُضَ وَلِذَا كَانَ هُوَ الْمُخْتَارَ وَإِنْ كَانَ الْوَلْوَالِجِيِّ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ تَسْوِيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ) فِيهِ تَأَمُّلٌ لِعِتْقِهَا بِقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ (قَوْلُهُ: وَيَسْعَى فِي كُلِّهِ لَوْ مَدْيُونًا) يَعْنِي مُسْتَغْرِقًا رَقَبَةَ الْمُدَبَّرِ أَمَّا لَوْ كَانَ دُونَهُ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الدَّيْنِ ثُلُثُهَا وَصِيَّةٌ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ الزِّيَادَةِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَيَانُ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدَّ قِيمَتِهِ) يَعْنِي لِوُجُودِ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِوُجُودِ شَرْطِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ عَلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ وَتَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ، وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ الْأَرِقَّاءِ إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ لَمْ يُحَرِّرْ الْحُكْمَ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ سَمَّيْتهَا " إيقَاظُ ذَوِي الدِّرَايَةِ لِوَصْفِ مَنْ كُلِّفَ السِّعَايَةَ ".
(قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ) يَعْنِي الْمُدَبَّرَةَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا أَمَّا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُقَيَّدًا فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) يَعْنِي الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَ فُلَانٌ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا أَصْلًا بَلْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِشَرْطٍ (قَوْلُهُ: وَيُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ) شَامِلٌ لِتَعْلِيقِهِ عِتْقَهُ بِمَوْتِ فُلَانٍ كَمَا ذَكَرَهُ وَإِذَا مَاتَ فُلَانٌ، وَالسَّيِّدُ حَيٌّ كَيْفَ يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ.