اعْتِقْهَا عَنِّي بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا (قُسِّمَ) الْأَلْفُ (عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا فَحِصَّةُ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ وَحِصَّةُ الْمَهْرِ تَسْقُطُ) فَمَا أَصَابَ الْقِيمَةَ أَدَّاهُ الْآمِرُ وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَنِّي تَضَمَّنَ الشِّرَاءَ اقْتِضَاءً كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَابَلَ الْأَلْفَ بِالرَّقَبَةِ شِرَاءً وَبِالْبُضْعِ نِكَاحًا فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ حِصَّةُ مَا سَلَّمَ لَهُ وَهُوَ الرَّقَبَةُ وَبَطَلَ عَنْهُ حِصَّةُ مَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَهُوَ الْبُضْعُ وَلَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعِتْقِ عَنْهُ فَيَكُونُ مُدْرَجًا فِيهِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ بَلْ شَرَائِطُ الْمُقْتَضَى وَهُوَ الْعِتْقُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنْ الْأَلْفِ الْمُسَمَّى وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ فَلَوْ لَمْ تَأْبَ الْأَمَةُ بَلْ (تَزَوَّجَتْ) مِنْ الْقَائِلِ (فَمَهْرُهَا حِصَّةُ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْأَلْفِ وَهُوَ ثُلُثُ الْأَلْفِ (فِي صُورَتَيْ الضَّمِّ) أَيْ ضَمِّ عَنِّي (وَتَرْكِهِ) وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَنَكَحَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا قُلْنَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْصُوصًا بِالنِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَإِنْ أَبَتْ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِنْ فَعَلَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ أَبَى فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ.
(بَابُ التَّدْبِيرِ) هُوَ لُغَةً النَّظَرُ فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ فَكَأَنَّ الْمَوْلَى نَظَرَ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ فَأَخْرَجَ عَبْدَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بَعْدَهُ وَشَرْعًا يُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْ لَفْظِ التَّدْبِيرِ، وَالْمُدَبَّرِ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ اشْتِرَاكَهُ بَيْنَهُمَا مَعْنَوِيٌّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظِيَّ يَحْتَاجُ إلَى تَعَدُّدِ الْوَضْعِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ بِلَا دَلِيلٍ وَلَيْسَ فَلَيْسَ فَلَا بُدَّ هَاهُنَا مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ أَوَّلًا ثُمَّ تَقْسِيمِهِ إلَى ذَيْنِك الْقِسْمَيْنِ وَبَيَانِ أَحْكَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا وَقَعَ هَاهُنَا حَيْثُ قُلْت (هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ) أَيْ تَعْلِيقُ الْمَوْلَى عِتْقَ مَمْلُوكِهِ بِالْمَوْتِ سَوَاءً كَانَ مَوْتَهُ أَوْ مَوْتَ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ ثُمَّ قَسَمْته إلَى قِسْمَيْنِ وَبَيَّنْت أَحْكَامَهُمَا.
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ كَوْنَ اشْتِرَاكِهِ مَعْنَوِيًّا قَوْلُ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ: التَّدْبِيرُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِتْقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قُسِّمَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا) طَرِيقُ الْقِسْمَةِ أَنْ تُضَمَّ قِيمَةُ الْأَمَةِ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَتُقَسَّمُ عَلَيْهِمَا الْأَلْفُ الَّتِي اشْتَرَطَهَا الْأَجْنَبِيُّ فَإِمَّا أَنْ يَتَسَاوَى الْقِيمَةُ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الَّذِي سَمَّاهُ لِلْمَوْلَى وَيَسْقُطُ عَنْهُ النِّصْفُ وَإِمَّا أَنْ يَتَفَاوَتَا بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهَا مَثَلًا أَلْفَيْنِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَيَجِبُ لِلْمَوْلَى ثُلُثُ الْأَلْفِ وَسَقَطَ ثُلُثَاهَا وَهَكَذَا مِثْلَ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَمَهْرُهَا أَلْفًا يَجِبُ رُبْعُ الْأَلْفِ كَمَا يُعْلَمُ بِفَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ تَأْبَ الْأَمَةُ فَمَهْرُهَا حِصَّةُ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْهُ) أَيْ وَيَجِبُ لَهَا دُونَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ بُضْعِهَا وَقَدْ مَلَكَتْهُ بِالْإِعْتَاقِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ثُلُثُ الْأَلْفِ) لَا يَكُونُ لَهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ إلَّا فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ قِيمَتُهَا أَلْفَيْنِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا أَمَّا إذَا تَسَاوَى الْقِيمَةُ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَمَهْرُ الْمِثْلِ أَلْفًا وَجَبَ لَهَا رُبْعُ الْأَلْفِ فَلَا يَخْتَصُّ بِمَا قَيَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَكَانَ تَرْكُهُ مِمَّا يَنْبَغِي (قَوْلُهُ: فِي صُورَتَيْ الضَّمِّ أَيْ ضَمِّ عَنِّي وَتَرْكِهِ) لَكِنَّهُ فِي صُورَةِ الضَّمِّ يَسْتَحْقِقُ الْمَوْلَى مَا يَخُصُّ الْقِيمَةَ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْقَائِلِ فِي تَرْكِهِ الضَّمَّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا) شَامِلٌ لِلْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ دُونَ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ أَبَتْ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لَا يَشْمَلُ أُمَّ الْوَلَدِ لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا. اهـ.
[بَابُ التَّدْبِيرِ]
(قَوْلُهُ: وَشَرْعًا يُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْ لَفْظِ التَّدْبِيرِ، وَالْمُدَبَّرِ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ) خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ عَامَّةِ أَئِمَّتِنَا حَيْثُ قَصَرُوهُ شَرْعًا عَلَى الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ فِي الْمُقَيَّدِ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ: التَّدْبِيرُ شَرْعًا الْعِتْقُ الْمُوقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْمَمْلُوكِ مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا لَفْظًا أَوْ مَعْنًى اهـ.
وَلَمَّا كَانَتْ عِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ تُخَالِفُ ذَلِكَ اعْتَرَضَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَالْعَيْنِيُّ حَيْثُ قَالَا بَعْدَ سِيَاقِهِمَا: قَوْلُ الْكَنْزِ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ أَيْ مَوْتِ الْمَالِكِ،.
وَفِي الْمَبْسُوطِ: التَّدْبِيرُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِتْقِ الْمُوقَعِ فِي الْمَمْلُوكِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَيْ صَاحِبُ الْكَنْزِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُدَبَّرُ الْمُقَيَّدُ بِأَنْ قَالَ: إنْ مِتّ مِنْ سَفَرِي أَوْ مَرَضِي هَذَا أَوْ مَرَضِي كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَاحْتَرَزَ الشَّيْخُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ اهـ.
فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّهُ شَرْعًا لَيْسَ إلَّا لِلْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ فِي الْمُقَيَّدِ لَمْ تُعْقَدْ فِي الْحَالِ لِلتَّرَدُّدِ فِي وُقُوعِ تِلْكَ الصِّفَةِ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاةِ سَيِّدِهِ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الصِّفَةِ فَإِنَّ ذَاكَ يَصِيرُ مُدَبَّرًا وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا انْتَفَى مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْعَدَمِ بَقِيَ تَعْلِيقًا كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مَوْتَهُ أَوْ مَوْتَ غَيْرِهِ) يُعَارِضُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَحْرِ خَرَجَ بِتَعْلِيقِهِ بِمَوْتِهِ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِ غَيْرِهِ، كَقَوْلِهِ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا أَصْلًا لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا فَإِذَا مَاتَ فُلَانٌ عَتَقَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُ كَوْنَ اشْتِرَاكِهِ مَعْنَوِيًّا قَوْلُ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ) عَلِمْت اعْتِرَاضَ الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ عَلَيْهِ وَأَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْكَنْزِ أَحْسَنُ فَالِاعْتِرَاض عَلَى الْكَنْزِ وَشَارِحِهِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ