ائْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ، وَإِلَّا تُجْلَدُ عَلَى ظَهْرِكَ فَقَالَ هِلَالٌ: رَأَيْت بِعَيْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَعَادَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، ثُمَّ قَالَ، وَإِنِّي لَأَرْجُو مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لِي مَخْرَجًا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ حَيْثُ لَمْ يُجْلَدْ هِلَالٌ بِقَذْفِهِ ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ أَنَّ هِلَالًا لَمَّا رَمَاهَا بِالشَّرِيكِ ابْنِ السَّحْمَاءِ حَيْثُ قَالَ: وَجَدْتُ عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِي الشَّرِيكَ يَزْنِي بِهَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ عَلَى نَعْتِ كَذَا فَهُوَ لِهِلَالٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا جُمَالِيًّا فَهُوَ لِلشَّرِيكِ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْلَا الْأَيْمَانُ سَبَقَتْ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ (وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ) بَعْدَ التَّلَاعُنِ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ التَّامَّةِ (وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ) حَتَّى إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا، أَوْ ثَلَاثًا سَقَطَ وَلَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَكَوْنُ النِّكَاحِ صَحِيحًا فَمَنْ قَذَفَ بِالزِّنَا زَوْجَتَهُ الْعَفِيفَةَ) أَيْ الْبَرِيَّةَ عَنْ الزِّنَا غَيْرَ مُتَّهَمَةٍ بِهِ كَمَنْ يَكُونُ مَعَهَا وَلَدٌ لَا يَكُونُ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ (وَصَلُحَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ) حَتَّى لَا يَجْرِيَ اللِّعَانُ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ وَلَا بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ، وَإِنْ صَلُحَ شَاهِدًا عَلَى مِثْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ نَفَى) عَطْفٌ عَلَى قَذَفَ (وَلَدَهَا) احْتِرَازٌ عَنْ نَفْيِ الْحَمْلِ كَمَا سَيَأْتِي (وَطَالَبَتْ بِهِ) أَيْ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ وَهُوَ الْحَدُّ فَإِنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا كَسَائِرِ حُقُوقِهَا وَلِأَنَّهُ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ عَفِيفَةً لَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْعِفَّةُ (لَاعَنَ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ فَمَنْ قَذَفَ
(فَإِنْ أَبَى) أَيْ الزَّوْجُ عَنْ اللِّعَانِ (حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ، أَوْ يُكْذِبَ نَفْسَهُ فَيُحَدَّ) لِأَنَّ اللِّعَانَ خَلَفٌ عَنْ الْحَدِّ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِالْخَلَفِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ (فَإِنْ لَاعَنَ) الزَّوْجُ (لَاعَنَتْ) الْمَرْأَةُ بِالنَّصِّ لَكِنْ يُبْدَأُ بِالزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي فَيُطْلَبُ مِنْهُ الْحُجَّةُ أَوَّلًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُلَاعِنْ (حُبِسَتْ حَتَّى تُلَاعِنَ، أَوْ تُصَدِّقَهُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ " أَوْ تُصَدِّقَهُ فَتُحَدَّ " وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً فَكَيْفَ يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ مَرَّةً وَهُوَ لَا يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ وَيُعْتَبَرُ فِي دَرْئِهِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ اللِّعَانُ وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَلَوْ صَدَّقَتْهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَهُوَ وَلَدُهُمَا لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَنْقَطِعُ حُكْمًا بِاللِّعَانِ فَلَمْ يُوجَدْ وَهُوَ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِهِ وَبِهِ يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَيُنْفَى نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ.
(فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ) الزَّوْجُ (لِلشَّهَادَةِ) بِأَنْ كَانَ كَافِرًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ (حُدَّ لَوْ هِيَ مِنْ أَهْلِهَا) لِأَنَّ اللِّعَانَ تَعَذَّرَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَيُصَارُ إلَى الْمُوجَبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كَافِرًا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ إلَّا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بَعْدَ التَّلَاعُنِ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ التَّامَّةِ) فِي التَّعْلِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَيْنُونَةِ، فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَالِاسْتِمْتَاعُ بَعْدَ التَّلَاعُنِ وَلَوْ قَبْلَ التَّفْرِيقِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّنْوِيرِ عَنْ الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ بَقِيَّةَ الشَّرْطِ صَرِيحًا وَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِهَا لِيَحْسُنَ التَّفْرِيعُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهِيَ عَدَمُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِدْقِهِ، وَإِنْكَارُهَا، وَطَلَبُهَا اللِّعَانَ، وَعِفَّتُهَا، وَالْعَقْلُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالنُّطْقُ، وَعَدَمُ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ، وَكَوْنُهُمَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: فَمَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا) قَيَّدَ بِهِ، إذْ لَوْ رَمَاهَا بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ لَمْ يَجِبْ اللِّعَانُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ: كَمَنْ يَكُونُ مَعَهَا وَلَدٌ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ) يُتَأَمَّلُ فِي الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَجْرِيَ اللِّعَانُ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ. . . إلَخْ) كَذَا بَيْنَ الصَّغِيرَيْنِ وَالْمَجْنُونَيْنِ وَمَنْ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ نَفَى وَلَدَهَا) أَضَافَ الْوَلَدَ إلَيْهَا لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ يَقُولَ لَيْسَ مِنِّي، أَوْ مِنْ الزِّنَا كَمَا فِي النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ: لَاعَنَ) أَيْ إنْ اعْتَرَفَ بِالْقَذْفِ، أَوْ أَقَامَتْ عَدْلَيْنِ مَعَ إنْكَارِهِ وَإِنْ أَقَامَتْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ بَيِّنَةً لَا يُحَلَّفُ فِي الْحَدِّ وَاللِّعَانِ اتِّفَاقًا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي الدَّعْوَى.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَى حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ) قَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ هَاهُنَا غَايَةٌ أُخْرَى يَنْتَهِي الْحَبْسُ عِنْدَهَا وَهِيَ أَنْ تَبِينَ مِنْهُ بِطَلَاقٍ، أَوْ غَيْرِهِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ.
وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ آخِرَ الْبَابِ وَإِذَا امْتَنَعَا جَمِيعًا مِنْ اللِّعَانِ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: يُحْبَسَانِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَعْفُ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ لَا لِصِحَّةِ الْعَفْوِ بَلْ لِتَرْكِ طَلَبِهِ حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ يُحَدُّ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَاعَنَ لَاعَنَتْ) لَوْ خَطِئَ الْقَاضِي فَبَدَأَ بِالْمَرْأَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَهُ وَلَوْ فَرَّقَ قَبْلَ الْإِعَادَةِ جَازَ كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَفِي الْغَايَةِ وَلَوْ بَدَأَ بِلِعَانِهَا فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَلَا يَجِبُ إعَادَتُهُ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ صَدَّقَتْهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَهُوَ وَلَدُهُمَا) أَقُولُ