وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا يَرْجِعُ إلَى اعْتِقَادِهِمْ (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ (جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فَوُطِئَتْ أَوْ طَلُقَتْ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوَطْءِ (أَوْ مَاتَ) الزَّوْجُ عَنْهَا (فَلَا مَهْرَ لَهَا) أَيْ النِّكَاحُ صَحِيحٌ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا فِي الْحَرْبِيَّيْنِ، وَأَمَّا فِي الذِّمِّيَّيْنِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا.
وَقَالَ زُفَرُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْحَرْبِيَّيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ وَالنِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ بِغَيْرِ مَالٍ وَلَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ غَيْرُ مُلْتَزِمِينَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مُنْقَطِعَةٌ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ اللَّهِ وَالْكَافِرُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَصَحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَلَمْ يَجِبْ الْمَهْرُ لِمَا ذَكَرْنَا
(وَإِنْ نَكَحَهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ مُعَيَّنٍ فَأَسْلَمَا أَوْ) أَسْلَمَ (أَحَدُهُمَا فَلَهَا هُوَ) أَيْ الْمُعَيَّنِ.
(وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ قِيمَةُ الْخَمْرِ فِيهَا) أَيْ فِي الْخَمْرِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُسَمَّى خَمْرًا (وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِيهِ) أَيْ فِي الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ عِنْدَهُمْ مِثْلِيٌّ كَالْخَلِّ عِنْدَنَا فَلَا يَحِلُّ أَخْذُهَا فَإِيجَابُ الْقِيمَةِ يَكُونُ إعْرَاضًا عَنْ الْخَمْرِ، وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَمِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ عِنْدَهُمْ كَالشَّاةِ عِنْدَنَا فَإِيجَابُ الْقِيمَةِ لَا يَكُونُ إعْرَاضًا عَنْهُ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إعْرَاضًا عَنْ الْخِنْزِيرِ
(وَقَفَ نِكَاحُ الْقِنِّ) الرَّقِيقُ هُوَ الْمَمْلُوكُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَالْقِنُّ هُوَ الْمَمْلُوكُ كُلًّا (وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَقَفَ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَهِيَ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ (إنْ أَجَازَ) أَيْ الْمَوْلَى (نَفَذَ) أَيْ النِّكَاحُ (وَإِنْ رَدَّ بَطَلَ فَإِنْ نَكَحُوا بِهِ) أَيْ الْإِذْنِ (فَالْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْقِنِّ وَغَيْرِهِ (وَبِمَوْتِهِمْ يَسْقُطَانِ) أَيْ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ (وَالْمَهْرُ عَلَى الْقِنِّ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ، وَإِنْ) كَانَ (بِهِ) أَيْ بِالْإِذْنِ (تَعَلَّقَ) الْمَهْرُ (بِرَقَبَتِهِ) أَيْ الْقِنِّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا فَإِنَّ ذِمَّتَهُ ضَعِيفَةٌ فَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ لَتَضَرَّرَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ وَدَخَلَ بِهَا حَيْثُ لَا يُبَاعُ بِهِ، بَلْ يُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا إذَا لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِهِ (فَيُبَاعُ فِيهِ) أَيْ الْمَهْرِ (مَرَّةً فَإِنْ لَمْ يَفِ بِدَيْنِهِ) لَمْ يُبَعْ ثَانِيًا، بَلْ (طُولِبَ) بِبَاقِيهِ (بَعْدَ الْعِتْقِ) ؛ لِأَنَّهُ بِيعَ بِجَمِيعِ الْمَهْرِ.
(وَ) يُبَاعُ (فِيهَا) أَيْ النَّفَقَةِ (مِرَارًا) ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ بِالْجَمِيعِ هَذَا إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَأَمَّا إذَا زَوَّجَهُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ الْمَهْرُ، ثُمَّ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ حَقُّ الشَّرْعِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِهِ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ لِاقْتِضَائِهِ إيجَابًا لَهُ عَلَيْهِ أَقُولُ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَنَّ النَّصَّ الْمُفِيدَ لِوُجُوبِ الْمَهْرِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَبْدَ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] فَإِنَّ هَذَا خِطَابٌ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْمَالِ (وَالْآخَرَانِ) أَيْ الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ (يَسْعَيَانِ) فِي الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ (وَبِكَسْبِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِرَقَبَتِهِ (بَعْدَ مَا فَضَلَ) كَسْبُهُ (مِنْ دَيْنِ التِّجَارَةِ) فَإِنَّ دَيْنَهَا مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمَهْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ وَالْكَافِرِ) .
(قَوْلُهُ: بِإِذْنِ الْمَوْلَى) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى.
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الْمَهْرُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ) صَوَابُهُ إنْ كَانَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِهِ تَعَلَّقَ الْمَهْرُ بِرَقَبَتِهِ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ نَكَحُوا بِهِ فَالْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ لَكِنَّهُ أَعَادَهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُ جَوَازِ بَيْعِهِ دُونَ الْمُدَبَّرِ وَنَحْوِهِ.
(قَوْلُهُ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ الْمَهْرُ، ثُمَّ يَسْقُطُ) ذَكَرَ تَصْحِيحَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ) صَحَّحَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ هَذَا أَصَحُّ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ ثَمَرَةَ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ أَمَةَ الصَّغِيرِ مِنْ عَبْدِهِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ يَجِبُ، ثُمَّ يَسْقُطُ قَالَ بِالصِّحَّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ أَصْلًا قَالَ بِعَدَمِهَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا: وَقَدْ جَزَمَ بِعَدَمِهَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الْمَأْذُونِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ نِكَاحٌ لِلْأَمَةِ بِغَيْرِ مَهْرٍ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ كَسْبِهِ لِلْحَالِ اهـ.