الْأَوْلَادَ يَتْبَعُونَ الْآبَاءَ فِي الدِّينِ فَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا يُجْبَرُ أَبُوهُ عَلَيْهِ (وَقِيلَ يُجْبَرَانِ) أَيْ وَلَدُهُمَا وَوَلَدُ وَلَدِهِمَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْبَرُ تَبَعًا لِلْجَدِّ.
(صَحَّ ارْتِدَادُ صَبِيٍّ يَعْقِلُ وَإِسْلَامُهُ فَلَا يَرِثُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِسْلَامِ (بِلَا قَتْلٍ إنْ أَبَى) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ارْتِدَادُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَإِسْلَامُهُ مُعْتَبَرٌ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: كِلَاهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسَلَمَ فِي صِبَاهُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّحَ إسْلَامَهُ وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُفْتَخِرًا بِهِ حَتَّى قَالَ
سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طَرًّا ... غُلَامًا مَا بَلَغْت أَوَانَ الْحُلُمِ.
(هُمْ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ فَيَدْعُوهُمْ إلَى الْعَوْدِ وَيَكْشِفُ شُبْهَتَهُمْ، فَإِنْ تَحَيَّزُوا) أَيْ اتَّخَذُوا حَيِّزًا أَيْ مَكَانًا (مُجْتَمِعِينَ فِيهِ حَلَّ لَنَا قِتَالُهُمْ بَدْءًا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ وَلَنَا أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ تَعَسْكُرُهُمْ وَاجْتِمَاعُهُمْ، فَإِنْ صَبَرَ الْإِمَامُ إلَى بَدْئِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُ شَرِّهِمْ (وَيُقْتَلُ جَرِيحُهُمْ) وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا (وَيُتْبَعُ مُولِيهِمْ) أَيْ مُعْرِضُهُمْ (لَوْ كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ) أَيْ جَمْعِيَّةٌ وَفِيهِ أَيْضًا خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَمْ يُفْعَلْ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْقَتْلِ كَانَ لِأَجْلِ الْخَوْفِ وَإِذْ لَا خَوْفَ لِعَدَمِ الْفِئَةِ فَلَا قَتْلَ لِكَوْنِهِ مُسْلِمًا (وَلَا تُسْبَى ذُرِّيَّتُهُمْ وَحُبِسَ مَالُهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْصِمُ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَالْحَبْسُ كَانَ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ (وَاسْتَعْمَلَ) أَيْ الْإِمَامُ (سِلَاحَهُمْ وَخَيْلَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ) لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْعَادِلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَفِي مَالِ الْبَاغِي أَوْلَى.
(لَا شَيْءَ بِقَتْلِ الْبَاغِي مِثْلُهُ إنْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ) لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِمَامِ عَنْهُمْ (غَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ فَقَتَلَ مِصْرِيٌّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَرِثُ أَبَاهُ لِحِرْمَانِهِ بِالرِّقِّ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ بِلَا قَتْلٍ إنْ أَبَى) أَحَدُ مَسَائِلَ: لَا يُقْتَلُ فِيهَا الْمُرْتَدُّ. الثَّانِيَةُ: الْمُسْلِمُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَبَوَيْهِ إذَا بَلَغَ مُرْتَدًّا. الثَّالِثَةُ: إذَا أَسْلَمَ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ بَلَغَ مُرْتَدًّا. الرَّابِعَةُ: الْمُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا ارْتَدَّ اسْتِحْسَانًا فِي الْجَمِيعِ وَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. الْخَامِسَةُ: اللَّقِيطُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ وَلَوْ بَلَغَ كَافِرًا أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ كَالْمَوْلُودِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَلَغَ كَافِرًا كَمَا فِي الْفَتْحِ.
[بَابُ الْبُغَاةِ]
(قَوْلُهُ: قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ بِتَأْوِيلٍ؛ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ: أَحَدُهَا: الْخَارِجُونَ بِلَا تَأْوِيلٍ بِمَنَعَةٍ وَبِلَا مَنَعَةٍ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَيَقْتُلُونَهُمْ وَيُخِيفُونَ الطَّرِيقَ وَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَسَيَذْكُرُهُمْ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَكَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهُمْ هُنَا لِكَوْنِ قِتَالِهِمْ مِنْ الْجِهَادِ. وَالثَّانِي: قَوْمٌ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ لَكِنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. وَالثَّالِثُ: قَوْمٌ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَحَمِيَّةٌ خَرَجُوا عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ يَرَوْنَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ كُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ يُوجِبُ قِتَالَهُ بِتَأْوِيلِهِمْ وَهَؤُلَاءِ يَسْمَعُونَ بِالْخَوَارِجِ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَيَسْبُونَ نِسَاءَهُمْ وَيُكَفِّرُونَ الصَّحَابَةَ وَحُكْمُهُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ حُكْمُ الْبُغَاةِ. وَالرَّابِعُ: قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَسْتَبِيحُوا مَا اسْتَبَاحَهُ الْخَوَارِجُ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ وَهُمْ الْبُغَاةُ وَحُكْمُهُمْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
(قَوْلُهُ فَيَدْعُوهُمْ إلَى الْعَوْدِ وَيَكْشِفُ شُبْهَتَهُمْ) لَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا بَلْ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُمْ كَمَنْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَحَيَّزُوا مُجْتَمَعِينَ حَلَّ لَنَا قِتَالُهُمْ بَدْءًا) هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا يَبْدَؤُهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَأَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ هَكَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِالْحَبْسِ بَعْدَ مَا تَحَيَّزُوا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا يُقَاتِلُهُمْ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِأَهْوَنَ مِنْهُ وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ وَاجِبٌ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ شَرُّهُمْ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا إعَانَةُ الْإِمَامِ فَمِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ. اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَطَاقَ الدَّفْعَ أَنْ يُقَاتِلَ مَعَ الْإِمَامِ إلَّا إنْ أَبْدَوْا مَا يُجَوِّزُ لَهُمْ الْقِتَالَ كَأَنْ ظَلَمَهُمْ أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُمْ ظُلْمًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يُعِينُوهُمْ حَتَّى يُنْصِفَهُمْ وَيَرْجِعَ عَنْ جَوْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَالُ مُشْتَبَهًا أَنَّهُ ظُلْمٌ مِثْلَ تَحْمِيلِ الْجِبَايَاتِ الَّتِي لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَعَمَّ مِنْهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَقْتُلُ جَرِيحَهُمْ) كَذَا أَسِيرُهُمْ وَإِنْ رَأَى أَنْ يُخَلِّيَ عَنْهُ فَعَلَ فَإِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ إذَا أَخَذَ أَسِيرًا اسْتَحْلَفَهُ أَنْ لَا يُعِينَ عَلَيْهِ وَخَلَّاهُ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ شَرُّهُ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. اهـ. وَإِذَا أُخِذَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَكَانَتْ تُقَاتِلُ حُبِسَتْ وَلَا تُقْتَلُ إلَّا فِي حَالِ مُقَاتَلَتِهَا دَفْعًا وَإِنَّمَا تُحْبَسُ لِلْمَعْصِيَةِ وَلِمَنْعِهَا مِنْ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: وَحُبِسَ مَالُهُمْ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الْكُرَاعَ وَيَحْبِسُ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْظَرَ وَأَيْسَرَ لِأَنَّ الْكُرَاعَ يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ، وَقَدْ تَأَتَّى عَلَى قِيمَتِهِ فَكَانَ بَيْعُهُ أَنْفَعَ لِصَاحِبِهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ وَاسْتَعْمَلَ سِلَاحَهُمْ. . . إلَخْ)
قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ. اهـ. وَلَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ.
(قَوْلُهُ: لَا شَيْءَ بِقَتْلِ بَاغٍ مِثْلِهِ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ) الْأَوْلَى مِنْهُ عِبَارَةُ الْكَافِي