لِلشَّافِعِيِّ (وَلِأَكْثَرَ مِنْ فَرْضٍ) وَاحِدٍ (وَغَيْرِهِ) يَعْنِي يُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَالنَّوَافِلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ وَيُصَلِّي مِنْ النَّفْلِ مَا شَاءَ (لِمُحْدِثٍ) مُتَعَلِّقٌ بِجَازِ (وَجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ عَجَزُوا عَنْ الْمَاءِ) أَيْ مَاءٍ يَكْفِي لِطَهَارَتِهِ حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا انْتَبَهَ مِنْ النَّوْمِ مُحْتَلِمًا وَكَانَ لَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ لَا لِلْغُسْلِ يَتَيَمَّمُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَ الْجَنَابَةِ حَدَثٌ يُوجِبُ الْوُضُوءَ بِأَنْ أَحْدَثَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَالتَّيَمُّمُ لِلْجَنَابَةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا كَانَ لِلْمُحْدِثِ مَاءٌ يَكْفِي لِغَسْلِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ فَهُوَ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ (لِبُعْدِهِ) أَيْ الْمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِعَجَزُوا (مِيلًا) وَهُوَ ثُلُثُ فَرْسَخٍ وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ (أَوْ مَرَضٍ) لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ خَوْفُ التَّلَفِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (أَوْ بَرْدٍ) يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ أَوْ الْمَرَضِ (وَلَوْ فِي الْمِصْرِ) خِلَافًا لَهُمَا (أَوْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ إلَى الصَّعِيدِ لِلتَّطْهِيرِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَصَحُّ لِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى اشْتِرَاطُ اسْتِعْمَالِ جُزْءٍ، وَالتَّيَمُّمُ بِالْحَجَرِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ اسْتِعْمَالُ جُزْءٍ. اهـ. .
قُلْت هُوَ وَإِنْ كَانَ أَصَحَّ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ مَدْلُولَهُ الْقَصْدَ الْمَخْصُوصَ وَعَلِمْت مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: فَالتَّيَمُّمُ لِلْجَنَابَةِ بِالِاتِّفَاقِ) يَعْنِي فَالتَّيَمُّمُ السَّابِقُ بَاقٍ لِرَفْعِ الْجَنَابَةِ.
(قَوْلُهُ: لِبُعْدِهِ مِيلًا) يَنْفِي اشْتِرَاطَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِصْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا لُحُوقُ الْحَرَجِ وَبِبُعْدِهِ مِيلًا عَمَّا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَهُ وَيَنْفِي أَيْضًا اشْتِرَاطَ السَّفَرِ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ، وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي التَّقْدِيرِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَيَعْتَبِرُ أَبُو يُوسُفَ لِجَوَازِ التَّيَمُّمِ غَيْبَةَ رُفْقَتِهِ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ لَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ أَيْ الْمَاءُ قَالُوا وَهُوَ أَحْسَنُ مَا حُدَّ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُغْتَالَ دُونَهُمْ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ قُلْت وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَهُوَ الْخَوْفُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ) أَقُولُ هَذَا عَلَى أَحَدِ تَفْسِيرَيْ الْمِيلِ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ، وَالْمِيلُ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ، وَالْمِيلُ فِي تَقْدِيرِ ابْنِ شُجَاعٍ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسُمِائَةٍ إلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ وَفِي تَفْسِيرِ غَيْرِهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ وَهِيَ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ بِذِرَاعِ الْعَامَّةِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا بِعَدَدِ حُرُوفِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ اهـ.
قُلْت لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا خِلَافَ لِحَمْلِ كَلَامِ ابْنِ شُجَاعٍ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالذِّرَاعِ مَا فِيهِ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ قَبْضَةٍ فَيَبْلُغُ ذِرَاعًا وَنِصْفًا بِذِرَاعِ الْعَامَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَهُوَ أَيْ الْمِيلُ ثُلُثُ فَرْسَخٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَجِ بْنِ الشَّاشِيِّ طُولُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَعَرْضُ كُلِّ أُصْبُعٍ سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ مُلْصَقَةٍ ظَهْرَ الْبَطْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ) أَقُولُ نَفْيُ الْقُدْرَةِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِمَعْنَى لَا يَقْدِرُ عَلَى تَنَاوُلِهِ وَلَا يَضُرُّهُ أَوْ بِعَكْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَوَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَيَمَّمُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ إلَّا الْحَرَكَةُ إلَى الْمَاءِ وَلَا يَضُرُّهُ الْمَاءُ كَالْمَبْطُونِ وَصَاحِبِ الْعِرْقِ الْمَدِينِيِّ فَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ جَازَ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا وَإِنْ وَجَدَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَيَمِّمُ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ أَوْ لَا وَأَهْلُ طَاعَتِهِ عَبْدُهُ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ أَجِيرُهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَذَا فِي التَّأْسِيسِ.
وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا اهـ.
وَإِنْ كَانَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ يَضُرُّهُ الْمَاءُ وَيَقْدِرُ عَلَى تَنَاوُلِهِ كَمَنْ بِهِ جُدَرِيٌّ أَوْ حُمَّى أَوْ جِرَاحَةٌ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ.
هَذَا وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا ذُكِرَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّيَمُّمِ فَإِنْ عَجَزَ أَيْضًا عَنْ التَّيَمُّمِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُصَلِّي عَلَى قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَقْدِرَ أَيْ عَلَى أَحَدِهِمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُصَلِّي تَشَبُّهًا وَيُعِيدُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ بَرْدٍ. . . إلَخْ)
قَالَ فِي الْبَحْرِ: اعْلَمْ أَنَّ جَوَازَ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى تَسْخِينِ الْمَاءِ وَلَا أُجْرَةِ الْحَمَّامِ فِي الْمِصْرِ وَلَا يَجِدُ ثَوْبًا يَتَدَفَّى بِهِ وَلَا مَكَانًا يَأْوِيهِ اهـ.
وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا خَوْفُ الْمَرَضِ مِنْ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْمِصْرِ عَلَى قَوْلِهِ هَلْ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَالْغُسْلِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ جَعَلَهُ فِي الْأَسْرَارِ مُبِيحًا.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْخَوْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ وَهْمٍ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ عَادَةً اهـ.
(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَمَعْرِفَتُهُ بِاجْتِهَادِ الْمَرِيضِ، وَالِاجْتِهَادُ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْوَهْمِ بَلْ هُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ عَنْ أَمَارَةٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ فَلَوْ بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ لَكِنَّ الضَّعْفَ بَاقٍ وَخَافَ أَنْ يَمْرَضَ سُئِلَ عَنْهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَقَالَ: الْخَوْفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَمَا وَقَعَ فِي التَّبْيِينِ الصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ فَالْمُرَادُ مِنْ الْخَشْيَةِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَذَا فِي شَرْحِ الْغَزِّيِّ مِنْ الْعَوَارِضِ فِي الصَّوْمِ فَيَكُونُ كَذَلِكَ هُنَا (قَوْلُهُ: أَوْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ) وَسَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَمَانَتِهِ أَوْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ فَاسِقٍ عِنْدَ الْمَاءِ أَوْ خَافَ الْمَدْيُونُ الْمُفْلِسُ مِنْ الْحَبْسِ بِأَنْ كَانَ الدَّائِنُ عِنْدَ الْمَاءِ وَسَنَذْكُرُ حُكْمَ الْإِعَادَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى