لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأُمِّ أَلَا يَرَى أَنَّ الذِّئْبَ لَوْ نَزَا عَلَى شَاةٍ فَوَلَدَتْ ذِئْبًا حَلَّ أَكْلُهُ وَيُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا عِنْدَهُمَا وَطَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْأُمِّ،.
وَفِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ إذَا نَزَا الْحِمَارُ عَلَى الرَّمَكَةِ لَا يُكْرَهُ لَحْمُ الْبَغْلِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ سُؤْرُهُ مَشْكُوكًا، وَإِذَا كَانَ مَشْكُوكًا (يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ إنْ عَدِمَ غَيْرَهُ) مِنْ الْمَاءِ الطَّاهِرِ، الْمُرَادُ أَنْ لَا تَخْلُوَ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ عَنْهُمَا دُونَ الْجَمْعِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ حِمَارٍ فَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ الزَّاهِدِيِّ (بِخِلَافِ نَبِيذِ التَّمْرِ) حَيْثُ يَتَوَضَّأُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بِالتَّيَمُّمِ فَقَطْ وَمُحَمَّدٌ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَالْمُرَادُ بِهِ حُلْوٌ رَقِيقٌ يَسِيلُ كَالْمَاءِ أَمَّا إذَا اشْتَدَّ وَصَارَ مُسْكِرًا لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ اتِّفَاقًا قَالَ قَاضِي خَانْ: بِئْرٌ بَالُوعَةٌ جَعَلُوهَا بِئْرَ مَاءٍ إنْ جُعِلَتْ أَوْسَعَ وَأَعْمَقَ مِقْدَارَ مَا لَا تَصِلُ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ كَانَ طَاهِرًا، وَإِنْ حُفِرَتْ أَعْمَقَ وَلَمْ تُجْعَلْ أَوْسَعَ مِنْ الْأُولَى فَجَوَانِبُهَا نَجِسَةٌ وَقَعْرُهَا طَاهِرٌ، بِئْرٌ تَنَجَّسَ فَغَارُ الْمَاءُ ثُمَّ عَادَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّزْحِ وَكَذَا بِئْرٌ وَجَبَ فِيهَا نَزْحُ عِشْرِينَ دَلْوًا فَنُزِحَ عَشَرَةٌ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ عَادَ لَا يُنْزَحُ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ بِئْرِ الْبَالُوعَةِ وَبَيْنَ بِئْرِ الْمَاءِ مِقْدَارُ مَا لَا تَصِلُ النَّجَاسَةُ إلَى بِئْرِ الْمَاءِ وَقُدِّرَ فِي الْكِتَابِ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ أَوْ سَبْعَةٍ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ عَدَمُ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْمَاءِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِصَلَابَةِ الْأَرْضِ وَرَخَاوَتِهَا ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ السُّؤْرِ وَكَانَ أَحْكَامُ الْعَرَقِ أَيْضًا مُحْتَاجًا إلَى الْبَيَانِ قَالَ (وَالْعَرَقُ كَالسُّؤْرِ) فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُمَا يَتَوَلَّدَانِ مِنْ اللَّحْمِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا حُكْمَ صَاحِبِهِ لَا يَرِدُ عَلَيْنَا كَوْنُ سُؤْرِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ مَشْكُوكًا مَعَ أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ طَاهِرٌ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَرَقِ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الْمُخَالِفِ لِلْقِيَاسِ وَهُوَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًّا» ، وَالْحَرُّ حَرُّ الْحِجَازِ، وَالثِّقْلُ ثِقْلُ النُّبُوَّةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَرَقُهُ نَجِسًا لِتَوَلُّدِهِ مِنْ اللَّحْمِ النَّجِسِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ إنَّ سُؤْرَهُ طَاهِرٌ أَيْضًا عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَاتِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ بَدَنَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ طَاهِرٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ اللَّحْمِ النَّجِسِ قُلْنَا مَعْنَى مَا سَبَقَ كَوْنُ ظَاهِرِ الْبَدَنِ طَاهِرًا حُكْمًا بِمَعْنَى أَنَّ مَا يُلَاقِيهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ لَا يَكُونُ نَجِسًا لِضَرُورَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي كَوْنَ بَاطِنِهَا نَجِسًا لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ.
هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا اسْتِعْمَالُ الصَّعِيدِ بِقَصْدِ التَّطْهِيرِ (جَازَ وَلَوْ قَبْلَ الْوَقْتِ) خِلَافًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: يَتَوَضَّأُ بِهِ) أَقُولُ وَيَنْوِي احْتِيَاطًا لِمَا قَالَ الْكَمَالُ اخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ فَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ إنَّمَا قَالَ ثُمَّ أَحْدَثَ لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الصَّلَاةِ مِمَّا لَوْ لَمْ يُحْدِثْ وَإِلَّا فَلَا دَخْلَ لِلْحَدَثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ قَبْلَ حَدَثِهِ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ قَالَ الْكَمَالُ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّاهَا صَحَّتْ الظُّهْرُ اهـ.
وَكَتَبَ عَلَى هَامِشِهِ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ مُحَمَّدٌ الْمُحِبِّيُّ أَدَامَ اللَّهُ نَفْعَهُ وَرَحِمَهُ يَعْنِي وَلَمْ يُحْدِثْ بَيْنَهُمَا لَكِنْ كُرِهَ لَهُ فِعْلُهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ جَازَ وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ اسْتَلْزَمَ أَدَاءَ صَلَاةٍ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ اهـ.
قُلْت وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَهُمَا الْحَدَثُ وَأَوْرَدَ فِي الْبَحْرِ سُؤَالًا عَلَى مَا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا الْحَدَثُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فِي إحْدَى الْمَرَّتَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا الْجَمْعُ قُلْنَا ذَاكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا أَصْلًا أَمَّا هُنَا فَقَدْ أَدَّاهَا بِطَهَارَةٍ مِنْ وَجْهٍ شَرْعًا كَمَا لَوْ صَلَّى بَعْدَ الْفَصْدِ أَوْ الْحِجَامَةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَلَا يَكْفُرُ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ فَهَذَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى بَعْدَ الْبَوْلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ الزَّاهِدِيِّ) وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مَكَانَ الْكِفَايَةِ الْكَافِي وَلَمْ أَرَ الْعِبَارَةَ فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بِالتَّيَمُّمِ فَقَطْ) أَقُولُ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَرُوِيَ رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي رَمْزِ الْحَقَائِقِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ، وَالتَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ نَبِيذِ التَّمْرِ مُتَعَيَّنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَصَحِّ وَهُوَ رِوَايَةُ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْهُ كَمَا يُفْتِي بِهِ أَبُو يُوسُفَ، وَالْعَكْسُ أَيْ تَعَيَّنَ الْوُضُوءُ بِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُوِيَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّمَا اخْتَلَفَ أَجْوِبَتُهُ لِاخْتِلَافِ الْمَسَائِلِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ رَامَهُ (قَوْلُهُ: مُعْرَوْرِيًّا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ اعْرَوْرَى الدَّابَّةَ رَكِبَهُ عُرْيًا، وَمِنْهُ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَرْكَبُ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًّا» وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ الْمُسْتَكِنِّ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَفْعُولِ لَقِيلَ مُعْرَوْرًى اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ
[بَابُ التَّيَمُّمِ]
(بَابُ التَّيَمُّمِ) (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ) يَعْنِي مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا. . . إلَخْ) كَذَا قَالُوا، وَالْحَقُّ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَسْحِ الْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ مِنْ الصَّعِيدِ، وَالْقَصْدُ شَرْطٌ لِأَنَّهُ النِّيَّةُ قَالَهُ الْكَمَالُ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ طَاهِرٍ فِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ