لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ وَوَسَطِهِ وَأَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّكَاةُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ» وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ الذَّبْحِ فَوْقَ الْحَلْقِ قَبْلَ الْعُقْدَةِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا فَهُوَ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِمَنْ يَقُولُ بِالْحِلِّ فِيمَا إذَا بَقِيَ عُقْدَةُ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ وَرِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ أَيْضًا تُسَاعِدُهُ، وَلَكِنْ صَرَّحَ فِي ذَبَائِحِ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الذَّبْحَ إذَا وَقَعَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ لَا يَحِلُّ، وَكَذَلِكَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ؛ لِأَنَّهُ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ كَمَا تَرَى؛ وَلِأَنَّ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ مَجْمَعُ الْعُرُوقِ وَالْمَجْرَى فَيَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فِيهِ إنْهَارُ الدَّمِ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ فَكَانَ حُكْمُ الْكُلِّ سَوَاءً وَلَا عِبْرَةَ بِالْعُقْدَةِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (وَعُرُوقُهُ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ) فِي الْمُغْرِبِ الْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ وَالْمَرِيءُ مَجْرَى الْعَلَفِ.

وَفِي الْهِدَايَةِ بِالْعَكْسِ (وَحَلَّ بِقَطْعِ ثَلَاثٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ أَيْ ثَلَاثٍ كَانَ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مُقَامَ الْكُلِّ (بِكُلِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَطَعَ (مَا قَطَعَ الْأَوْدَاجَ وَأَسَالَ الدَّمَ) وَلَوْ قَشَّرَ الْقَصَبَ وَحَجَرًا فِيهِ حِدَّةٌ (الْأَسْنَانَ أَوْ ظُفْرًا قَائِمَيْنِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا خَلَا الظُّفْرَ وَالسِّنَّ فَإِنَّهُمَا مِنْ مُدَى الْحَبَشَةِ» (وَبِالْمَنْزُوعِينَ يُكْرَهُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَحْرُمُ لِمَا رَوَيْنَا وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَنْزُوعَيْنِ فَإِنَّهُ الصَّادِرُ مِنْ الْحَبَشَةِ (وَنُدِبَ إحْدَادُ شَفْرَتِهِ قَبْلَ الْإِضْجَاعِ وَكُرِهَ بَعْدَهُ) لِوُرُودِ الْأَثَرِ فِيهِمَا وَإِرْفَاقًا لِلْمَذْبُوحِ

. (وَ) كُرِهَ (الْجَرُّ بِرِجْلِهَا إلَى الْمَذْبَحِ وَذَبْحُهَا مِنْ قَفَاهَا فَإِنْ بَقِيَتْ حَيَّةً يَقْطَعُ عُرُوقَهَا) لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا هُوَ ذَكَاةٌ فَتَحِلُّ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْأَلَمِ بِلَا حَاجَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا جَرَحَهَا، ثُمَّ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ حَيَّةً قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ (حَرُمَتْ) لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا لَيْسَ بِذَكَاةٍ فِيهَا.

(وَ) كُرِهَ (النَّخْعُ) أَيْ الذَّبْحُ الشَّدِيدُ حَتَّى يَبْلُغَ النُّخَاعَ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ " حرام مغز " (وَالسَّلْخُ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ) أَيْ تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ (وَ) كُرِهَ (تَرْكُ التَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَحَلَّتْ) أَيْ الذَّبِيحَةُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ

(وَشُرِطَ) فِي حِلِّ الْمَذْبُوحِ (كَوْنُ الذَّابِحِ مُسْلِمًا حَلَالًا خَارِجَ الْحَرَمِ) إنْ كَانَ صَيْدًا (أَوْ كِتَابِيًّا) لِأَنَّهُ يَدَّعِي التَّوْحِيدَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وقَوْله تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَالْمُرَادُ بِهِ طَعَامٌ يَلْحَقُهُ الذَّكَاةُ مِنْ جِهَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بِالذِّكْرِ وَفِيمَا لَا يَلْحَقُهُ الذَّكَاةُ يَسْتَوِي الْكِتَابِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ كَالسَّمَكِ وَغَيْرِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمُوتَ بِالْأَوَّلِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ قَطَعَ تَمَامَهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالْأَوَّلِ أَسْرَعُ مِنْهُ بِالْقَطْعِ الثَّانِي وَإِلَّا حَلَّ، وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ فَصَابَ ذَبْحُ الشَّاةِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ أَكْلُهَا اهـ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْوَاقِعَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ:.

وَفِي الْهِدَايَةِ بِالْعَكْسِ) أَقُولُ لَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ الْحُلْقُومُ يُخَالِفُ الْمَرِيءَ فَإِنَّ الْمَرِيءَ مَجْرَى الْعَلَفِ وَالْمَاءُ وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفْسِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْعَكْسِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ اهـ.

وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرَ الْوَدَجَيْنِ، وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْوَدَجَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَهُمَا الْعِرْقَانِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَحَلَّ بِقَطْعِ ثَلَاثٍ مِنْهَا) هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ مِنْ كُلِّ عِرْقٍ كَذَا فِي الْمُخْتَارِ.

وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَطْعُ الْأَكْثَرِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَعَنْهُ أَيْضًا إذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَالْأَكْثَرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ يَحِلُّ وَمَا لَا فَلَا قَالَ مَشَايِخُنَا وَهُوَ أَصَحُّ الْجَوَابَاتِ اهـ.

(قَوْلُهُ: الْأَسْنَانَ وَظُفْرًا قَائِمَيْنِ) أَقُولُ وَكَذَا الْقَرْنُ (قَوْلُهُ: وَبِالْمَنْزُوعِينَ يُكْرَهُ) أَيْ الذَّبْحُ، وَأَمَّا أَكْلُ الذَّبِيحِ بِهَا لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ: لِوُرُودِ الْأَثَرِ فِيهِمَا) أَيْ فِي نَدْبِ إحْدَادِ الشَّفْرَةِ قَبْلَ الْإِضْجَاعِ وَكَرَاهَتِهِ بَعْدَهُ دَلِيلُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيَحُدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» وَالثَّانِي مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ هَلَّا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا» كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.

وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ ضَرَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ رَآهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالدِّرَّةِ حَتَّى هَرَبَ وَشَرَدَتْ الشَّاةُ

(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ الْجَرُّ بِرِجْلِهَا إلَى الْمَذْبَحِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا، وَقَدْ أَخَذَ شَاةً وَهُوَ يَجُرُّهَا إلَى الْمَذْبَحِ فَقَالَ قُدْهَا إلَى الْمَوْتِ قَوْدًا رَفِيقًا» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ «خُذْ سَالِفَتَهَا فَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» وَالْمَعْنَى أَنَّهَا تَعْرِفُ مَا يُرَادُ بِهَا كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ «أُبْهِمَتْ الْبَهَائِمُ إلَّا عَنْ أَرْبَعَةٍ خَالِقِهَا وَرَازِقِهَا وَخَانِقِهَا وَسِفَادِهَا» كَذَا فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ النُّخَاعَ) هُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَطْعَ الرَّأْسِ مَكْرُوهٌ بِالْأَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَنْزِ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ النُّخَاعِ أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهَا حَتَّى يُظْهِرَ مَذْبَحَهَا، وَقِيلَ أَنْ يَكْسِرَ رَقَبَتَهَا قَبْلَ أَنْ تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ

(قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابِيًّا) نَقَلَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْكِتَابِيُّ لَا يَعْتَقِدُ الْمَسِيحَ إلَهًا، أَمَّا إذَا اعْتَقَدَهُ إلَهًا فَهُوَ كَالْمَجُوسِيِّ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ اهـ. (قُلْت) وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى بِصِيغَةِ قَالُوا هَذَا. . . إلَخْ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015