يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا وَلَيْسَتْ هِيَ لِلتِّجَارَةِ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَيْضًا وَإِنْ كَثُرَتْ لِعَدَمِ النَّمَاءِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ ذِكْرَ الْأَهْلِ فِي حَقِّ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ لَهُ كُتُبٌ سَمَاوِيَّةٌ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا لِلتَّدْرِيسِ وَغَيْرِهِ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ آلَاتُ الْمُحْتَرِفِينَ
(وَسَبَبُ وُجُوبِ أَدَائِهَا تَوَجُّهُ الْخِطَابِ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَهُوَ عَقِيبَ حَوْلَانِ الْحَوْلِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ وُجُوبَهُ فَوْرِيٌّ وَفِي آخِرِ الْعُمُرِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ عُمُرِيٌّ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ
(وَشَرْطُهُ) أَيْ وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهَا (الْحَوْلَانِ) أَيْ حَوْلَانِ الْحَوْلُ (بِثَمَنِيَّةِ الْمَالِ) كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (أَوْ السَّوَائِمِ أَوْ نِيَّةِ التِّجَارَةِ) إذَا مَا لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَمْ يَتَوَجَّهْ الْخِطَابُ فَلَا يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ (وَشَرْطُ أَدَائِهَا) أَيْ كَوْنِهَا مُؤَدَّاةً (نِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ (مُقَارِنَةٍ لَهُ) أَيْ لِلْأَدَاءِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ (أَوْ) مُقَارِنَةٍ (لِعَزْلِ مَا وَجَبَ) ، فَإِنَّهُ إذَا عَزَلَ مِنْ النِّصَابِ قَدْرَ الْوَاجِبِ نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ وَتَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ بِلَا نِيَّةٍ سَقَطَ زَكَاتُهُ (أَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ) عَطْفٌ عَلَى نِيَّةٍ، فَإِنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ دَخَلَ الْجُزْءُ الْوَاجِبُ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِهِ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا (وَأَمَّا وُجُوبُهَا فَقِيلَ عُمَرِيٌّ) أَيْ تَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمُرِ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ (وَقِيلَ فَوْرِيٌّ) أَيْ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ عَدَمُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِ الْقَاضِي الْآنَ (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ الْحَوْلَانِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْعِبْرَةُ فِي الزَّكَاةِ لِلْحَوْلِ الْقَمَرِيِّ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْعِنِّينِ بَيَانُ الشَّمْسِيِّ وَالْقَمَرِيِّ وَسُمِّيَ حَوْلًا؛ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ تَتَحَوَّلُ فِيهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْغَايَةِ
(قَوْلُهُ: أَوْ نِيَّةِ التِّجَارَةِ) الْمُرَادُ مَا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ لَا عُمُومُ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً لِيَتَّجِرَ فِيهَا لَا يَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَإِلَّا اجْتَمَعَ فِيهَا الْحَقَّانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْأَرْضُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ مَعَ الْعُشْرِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ بَقِيَتْ الْأَرْضُ عَلَى وَظِيفَتِهَا الَّتِي كَانَتْ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهُ فِي عُشْرِيَّةٍ اسْتَأْجَرَهَا كَانَ فِيهِ الْعُشْرُ لَا غَيْرُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ حَقِيقَةً وَهُوَ وَاضِحٌ أَوْ حُكْمًا كَمَالٍ قُويِضَ بِمَالِ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ مَا قُويِضَ بِهِ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فِيهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ الْأَصْلِ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ بِنِيَّةِ عَدَمِهَا وَعَبْدٌ قَتَلَ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ خَطَأً فَدَفَعَ بِهِ وَكَذَا مَا اشْتَرَاهُ مُضَارِبٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ كَمَا إذَا ابْتَاعَ الْمُضَارِبُ عَبْدًا وَثَوْبًا لِلْعَبْدِ وَطَعَامًا وَحُمُولَتَهُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ قَصَدَ غَيْرَ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ إلَّا لِلتِّجَارَةِ بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ حَيْثُ لَا يُزَكِّي الثَّوْبَ وَالْحُمُولَةَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِغَيْرِ التِّجَارَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ) الْمُرَادُ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلْأَدَاءِ لِلْفَقِيرِ أَوْ الْوَكِيلِ وَلَوْ مُقَارَنَةً حُكْمِيَّةً كَأَنْ دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى وَالْمَالُ قَائِمٌ بِيَدِ الْفَقِيرِ صَحَّتْ وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْفَقِيرِ بِأَنَّهَا زَكَاةٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ أَنَّ مَنْ أَعْطَى مِسْكِينًا دَرَاهِمَ وَسَمَّاهَا هِبَةً أَوْ قَرْضًا وَنَوَى الزَّكَاةَ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ اهـ.
وَكَذَا صَحَّحَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْإِجْزَاءَ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِنِيَّةِ الدَّافِعِ لَا لِعِلْمِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ (قَوْلُهُ: أَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ دَفَعَهُ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الزَّكَاةَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ فَقِيلَ عُمُرِيٌّ) أَقُولُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ أَخَّرَهُ بِدَلِيلِهِ عَنْ الْقَوْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ مَعَ دَلِيلِهِ فَأَفَادَ أَنَّهُ أَيْ الْعُمَرِيَّ مُخْتَارُهُ كَمَا هُوَ طَرِيقَتُهُ اهـ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ الثَّلْجِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ اهـ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يُؤَخِّرَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ عُمُرِيٌّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ وَالْوَجْهُ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ مَعَهُ قَرِينَةُ الْفَوْرِ وَهِيَ أَنَّهُ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ وَهِيَ مُعَجَّلَةٌ وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ الْمُسْتَنِدِ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ بِأَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِهِ فَالْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنَّاهُ يَقْتَضِيهِ وَهُوَ ظَنِّيٌّ فَتَكُونُ الزَّكَاةُ فَرِيضَةً وَفَوْرِيَّتُهَا وَاجِبَةً فَيَلْزَمُ بِتَأْخِيرِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ الْإِثْمُ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى التَّرَاخِي يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّظَرِ إلَى دَلِيلِ الِافْتِرَاضِ أَيْ دَلِيلِ الِافْتِرَاضِ لَا يُوجِبُهَا فَوْرًا وَهُوَ لَا يَنْفِي دَلِيلَ الْإِيجَابِ اهـ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ هَذَا وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَمْعَنَ التَّأَمُّلَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ دَفْعُ الْحَاجَةِ مَعَ دَفْعِ كُلِّ مُكَلَّفٍ مُتَرَاخِيًا إذْ بِتَقْدِيرِ اخْتِيَارِ الْكُلِّ لِلتَّرَاخِي وَهُوَ بَعِيدٌ لَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ زَمَانِ أَدَاءِ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَتَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْتُ: وَقَوْلُ الْكَمَالِ وَالْوَجْهُ الْمُخْتَارُ لَا يُعَارِضُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَارَ التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْكَمَالِ فِي وَجْهِ الْحُكْمِ لَا لِحُكْمٍ فَتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فَوْرِيٌّ أَيْ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْأَمْرِ) أَقُولُ الدَّعْوَى مَقْبُولَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ، فَإِنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَلَا التَّرَاخِيَ بَلْ مُجَرَّدَ طَلَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَيَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ كُلٌّ مِنْ التَّرَاخِي وَالْفَوْرِ فِي الِامْتِثَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ الْفِعْلُ مُقَيَّدًا بِأَحَدِهِمَا فَيَبْقَى عَلَى خِيَارِهِ فِي الْمُبَاحِ الْأَصْلِيِّ فَالْوَجْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ