لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا (وَالْحُرِّيَّةُ) لِيَتَحَقَّقَ التَّمْلِيكُ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ فَيُمْلَكُ (وَسَبَبُهُ) أَيْ سَبَبُ وُجُوبِهَا (الْمِلْكُ التَّامُّ) بِأَنْ لَا يَكُونَ يَدًا فَقَطْ كَمَا فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ، فَإِنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا الْمِلْكُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ عَدَّهُ فِي الْكَنْزِ شَرْطًا لِوُجُوبِهَا (لِنِصَابٍ) اُعْتُبِرَ النِّصَابُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّرَ السَّبَبَ بِهِ (فَارِغٍ عَنْ الدَّيْنِ) الْمُرَادُ بِهِ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَيَمْنَعَ دَيْنَ الزَّكَاةِ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُطَالِبُهُ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَنُوَّابَهُ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَهُمْ الْمُلَّاكُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ كَانَ يَأْخُذُهَا إلَى زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ فَوَّضَهَا إلَى أَرْبَابِهَا فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ قَطْعًا لِطَمَعِ الظَّلَمَةِ فِيهَا فَكَانَ ذَلِكَ تَوْكِيلًا مِنْهُ لِأَرْبَابِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ضَمَّ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الزَّكَاةَ إلَى النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ (وَ) عَنْ (الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ) كَدُورِ السُّكْنَى وَنَحْوِهَا وَسَيَأْتِي (نَامٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا) النَّمَاءُ إمَّا تَحْقِيقِيٌّ يَكُونُ بِالتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ وَالتِّجَارَاتِ أَوْ تَقْدِيرِيٌّ يَكُونُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ نَائِبِهِ، فَإِذَا فُقِدَ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ

(فَلَا تَجِبُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ الْمِلْكُ التَّامُّ (عَلَى مُكَاتَبٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ يَدًا فَقَطْ (وَمَدْيُونٍ لِلْعَبْدِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَارِغٍ عَنْ الدَّيْنِ (بِقَدْرِ دَيْنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَلَا تَجِبُ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَوْ كَانَ دَيْنُهُ مِائَتَيْنِ تَجِبُ زَكَاةُ مِائَتَيْنِ (وَلَا فِي دُورِ السُّكْنَى) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْحَاجَةُ الْأَصْلِيَّةُ (وَنَحْوِهَا) كَثِيَابِ الْبَدَنِ وَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ لِأَهْلِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ إفَاقَةَ أَكْثَرِ الْحَوْلِ وَقِيلَ ابْتِدَاءُ حَوْلِ الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ مِنْهُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْجُنُونُ مُطْلَقًا عَارِضٌ وَالْحُكْمُ فِي الْعَارِضِ أَنَّهُ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ إذَا امْتَدَّ أَيْ سَنَةً وَإِلَّا فَلَا اهـ.

وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْمَجْنُونُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا إذَا وُجِدَ مِنْهُ الْجُنُونُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ إفَاقَةٌ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ الْإِفَاقَةَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَآخِرِهَا، وَإِنْ قَلَّ يَشْتَرِطُ فِي أَوَّلِهَا لِانْعِقَادِ الْحَوْلِ وَفِي آخِرِهَا لِيَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ خِطَابُ الْأَدَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ الْإِفَاقَةُ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي جُزْءٍ مِنْ السَّنَةِ اهـ.

وَذَكَرَ الْكَمَالُ مَا تَجِبُ مُرَاجَعَتُهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ، فَإِنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ إيهَامُ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَوْلَى وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ فَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْمُكَاتَبُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَهُوَ الرِّقُّ وَلِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى إنْ أَدَّى مَالَ الْكِتَابَةِ سَلِمَ لَهُ، وَإِنْ عَجَزَ سَلِمَ لِلْمَوْلَى فَكَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَدَّهُ أَيْ الْمِلْكَ التَّامَّ فِي الْكَنْزِ شَرْطًا) كَذَا انْتَقَدَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَقَالَ وَقَدْ جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ سَبَبَهَا مِلْكُ مَالٍ مُرْصَدٍ لِلنَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ فَاضِلٍ عَنْ الْحَاجَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ وَالشَّرْطَ قَدْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُضَافُ إلَيْهِ الْوُجُوبُ لَا عَلَى وَجْهِ التَّأْثِيرِ فَخَرَجَ الْعِلَّةُ وَيَتَمَيَّزُ السَّبَبُ عَنْ الشَّرْطِ بِإِضَافَةِ الْوُجُوبِ إلَيْهِ أَيْضًا دُونَ الشَّرْطِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ اهـ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ) أَقُولُ: وَكَذَا لَا يَمْنَعُ دَيْنَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَوُجُوبَ الْحَجِّ وَهَدْيَ الْمُتْعَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ) أَقُولُ: جَعْلُ دَيْنِ الْكَفَالَةِ مَانِعًا ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الدَّيْنِ أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ فَفِيهِ تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ) هِيَ مَا يَدْفَعُ الْهَلَاكَ مِنْ الْإِنْسَانِ تَحْقِيقًا كَالنَّفَقَةِ وَدُورِ السُّكْنَى أَوْ تَقْدِيرًا كَالدَّيْنِ، فَإِنَّ الْمَدْيُونَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الْحَبْسَ بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ مَنْ مَعَهُ دَرَاهِمُ وَأَمْسَكَهَا بِنِيَّةِ صَرْفِهَا إلَى حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي فَصْلِ زَكَاةِ الْعُرُوضِ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي النَّقْدِ كَيْفَمَا مَا أَمْسَكَهُ لِلنَّمَاءِ أَوْ لِلنَّفَقَةِ اهـ.

وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ فِي بَحْثِ النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَكُتُبِ الْعِلْمِ لِأَهْلِهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَيْسَ بِقَيْدٍ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَتُسَاوِي نُصُبًا لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ أَعَدَّهَا لِلتِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْأَهْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْأَهْلَ إذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ لِلْكُتُبِ تَدْرِيسًا وَحِفْظًا وَتَصْحِيحًا لَا يَخْرُجُونَ بِهَا عَنْ الْفَقْرِ، وَإِنْ سَاوَتْ نُصُبًا فَلَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْ حَاجَتِهِمْ مَا يُسَاوِي نِصَابًا كَأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ تَصْنِيفٍ نُسْخَتَانِ وَقِيلَ ثَلَاثٌ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَهْلِ، فَإِنَّهُمْ يُحَرِّمُونَ بِهَا الزَّكَاةَ وَالْمُرَادُ كُتُبُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ أَمَّا كُتُبُ الطِّبِّ وَالنَّحْوِ وَالنُّجُومِ فَمُعْتَبَرَةٌ فِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015