وَالْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ (وَرَفْعُ رَأْسِهِ قَلِيلًا) لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ لَا السَّمَاءِ (وَيُلَقَّنُ بِذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَهُ) لِأَنَّ الْأُولَى لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الثَّانِيَةِ وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَتَضَجَّرَ وَيَرُدَّهَا (وَبَعْدَ مَوْتِهِ يُشَدُّ لَحْيَاهُ وَتُغْمَضُ عَيْنَاهُ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ وَفِيهِ تَحْسِينُهُ فَيُسْتَحْسَنُ
(وَلَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ النَّاسِ بِمَوْتِهِ وَيُعَجَّلُ فِي تَجْهِيزِهِ فَيُوضَعُ عَلَى تَخْتِ مُجَمَّرٍ وِتْرًا) كَكَفَنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَيِّتِ، وَاخْتِيَارُ الْوِتْرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ»
(وَيُجَرَّدُ) عَنْ ثِيَابِهِ (وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ الْغَلِيظَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ أَيْسَرَ لِخُرُوجِ الرُّوحِ (قَوْلُهُ: وَيُلَقَّنُ بِذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ، وَأَمَّا التَّلْقِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ فِي الْقَبْرِ فَقِيلَ يُفْعَلُ وَقِيلَ لَا يُلَقَّنُ وَقِيلَ لَا يَأْمُرُ بِهِ وَلَا يَنْهَى عَنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَأَمَّا تَلْقِينُ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ فَمَشْرُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِيهِ فِي الْقَبْرِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُقَالَ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ وَقُلْ رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَالْأَشْهَرُ أَنَّ السُّؤَالَ حِينَ يُدْفَنُ وَقِيلَ فِي بَيْتِهِ تُقْبَضُ عَلَيْهِ الْأَرْضُ وَتَنْطَبِقُ كَالْقَبْرِ، فَإِنْ قِيلَ هَلْ يُسْأَلُ الطِّفْلُ الرَّضِيعُ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ ذِي رُوحٍ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَإِنَّهُ يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنْ يُلَقِّنُهُ الْمَلَكُ فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ رَبُّك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: قُلْ اللَّهُ رَبِّي ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: مَا دِينُك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ دِينِي الْإِسْلَامُ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ مَنْ نَبِيُّك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ نَبِيِّ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُلَقِّنُهُ بَلْ يُلْهِمُهُ اللَّهُ حَتَّى يُجِيبَ كَمَا أَلْهَمَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمَهْدِ اهـ.
وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الْأَطْفَالَ يُسْأَلُونَ عَنْ الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ وَالسُّؤَالُ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: إنَّ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ لِهَذِهِ الْأَمَةِ خَاصَّةً كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَقَالَ الْبَزَّازِيَّةُ السُّؤَالُ فِيمَا يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْمَيِّتُ حَتَّى لَوْ أَكَلَهُ سَبُعٌ فَالسُّؤَالُ فِي بَطْنِهِ، فَإِنْ جُعِلَ فِي تَابُوتٍ أَيَّامًا لِنَقْلِهِ إلَى مَكَان آخَرَ لَا يُسْأَلُ مَا لَمْ يُدْفَنْ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَضْجَرَ) أَقُولُ: وَقَالُوا إذَا ظَهَرَ مِنْهُ كَلِمَاتٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ وَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ وَلِذَا اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِهَذَا الْخَوْفِ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارُوا قِيَامَهُ حَالَ الْمَوْتِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيُغْمِضُ عَيْنَاهُ) وَيَقُولُ مُغْمِضُهُ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ وَيُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدٌ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ حَتَّى يُغَسَّلَ اهـ.
وَذَكَرَ فِي النُّتَفِ أَنَّهُ يُقْرَأُ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ الْقُرْآنُ إلَى أَنْ يُرْفَعَ اهـ يَعْنِي إلَى أَنْ تُرْفَعَ رُوحُهُ اهـ.
وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غُسْلُهُ لِحَدَثٍ حَلَّ بِهِ أَوْ لِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الْمُحْدَثِ وَعِنْدَهُ وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ يُكْرَهُ لَهُ الْقِرَاءَةُ لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَالْقَاذُورَاتِ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ بَدْرِ الدِّينِ الشَّهَاوِيِّ اهـ.
وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ لَوْ قَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ قَبْلَ غَسْلِهِ كُرِهَ لَا بَعْدَهُ. اهـ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي نَتَائِجِ الْفَتَاوَى إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ تُوضَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْيُسْرَى فِي الْأَيْسَرِ وَلَا يَجُوزُ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى صَدْرِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اجْعَلُوا أَمْوَاتَكُمْ بِخِلَافِ الْكَافِرِينَ، فَإِنَّهُمْ يَضَعُونَ يَدَ الْمَيِّتِ عَلَى صَدْرِهِ» . اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ النَّاسِ بِمَوْتِهِ) قَالَ قَاضِي خَانْ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤَذِّنَ قَرَابَتُهُ وَإِخْوَانُهُ بِمَوْتِهِ وَيُكْرَهُ النِّدَاءُ فِي الْأَسْوَاقِ اهـ فِي الْبَحْرِ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْأَزِقَّةِ لِأَنَّهُ نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ وَتَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاسْتِعْدَادِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ نَعْيَ الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَبْعَثُونَ إلَى الْقَبَائِلِ يَنْعُونَ مَعَ ضَجِيجٍ وَبُكَاءٍ وَعَوِيلٍ وَتَعْدِيدٍ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ تَنْوِيهٍ بِذِكْرِهِ وَتَفْحِيمٍ بَلْ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُعَجِّلُ فِي تَجْهِيزِهِ فَيُوضَعُ عَلَى تَخْتٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إنَّمَا يُوضَعُ عَلَيْهِ كَمَا مَاتَ وَلَا يُؤَخَّرُ إلَّا وَقْتَ الْغُسْلِ اهـ.
وَيُوضَعُ التَّخْتُ كَيْف اتَّفَقَ عَلَى الْأَصَحِّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ اخْتَارَهُ طُولًا كَصَلَاتِهِ بِالْإِيمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَهُ عَرْضًا كَمَا يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ مُجْمِرٍ وِتْرًا) يُشِيرُ إلَى أَنَّ السَّرِيرَ يُجَمَّرُ قَبْلَ وَضْعِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ وَكَيْفِيَّةُ أَنْ يُدَارَ بِالْمُجْمَرِ حَوْلَ السَّرِيرِ إمَّا مَرَّةً أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ
(قَوْلُهُ: وَيُجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهِ) أَيْ لِغُسْلِهِ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا إذَا كَانَ خُنْثَى مُشْكِلًا، فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قِيلَ يُيَمَّمُ وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْخُنْثَى يُيَمَّمُ وَلَا يُغَسَّلُ اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي كِوَارَةٍ وَقِيلَ فِي ثِيَابِهِ إذَا كَانَ بَالِغًا بِالسِّنِّ أَوْ مُرَاهِقًا وَالْأَجْنَبِيَّةُ يُيَمِّمُهَا الْأَجْنَبِيُّ بِخِرْقَةٍ إذَا لَمْ تُوجَدْ النِّسَاءُ، فَإِنْ وُجِدَ رَجُلٌ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ يُيَمِّمُهَا بِلَا خِرْقَةٍ كَمَا تَيَمُّمُهُ وَلَا يُغَسِّلُهُ إلَّا زَوْجَتُهُ