وليزينوا أمره إلى العامة بالتمويهات، فحضروا عنده لما استحضرهم واستشرطوه لئن غلبوه ليعطيهم الأموال وإنما استشرطوه بمشهد الناس لما علموا من خبثه أنه لا يعرف لهم حقوقهم من غير ضمان، وعن عكرمة أنهم كانوا ثلاثة وسبعين، وعن ابن إسحاق أنهم كانوا خمسة عشر ألف رجل، قال نعم وأجابهم إلى سؤالهم ووعد لهم التقريب (?) ورفعه الإقرار لشدة الاضطرار وخوف الفضيحة.
{إِمَّا} للشك والتخيير ولم يعقب كلامًا مستقلًا بنفسه بخلاف "أو"، واعلم أن {إِمَّا} ربما وُصلت بالفعلين بـ "أن" كهاهنا وقوله: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} [الكهف: 86] وربما وصلت بالفعلين بغير "أن" كقوله: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 106] فإن وصلت بـ "أن" حل الفعلان محل المصدر وكان فيهما معنى الأمر على سبيل التخيير، وإن وصلت بغير أن كانا خبرين (?) والواجب من الخبرين أحدهما لا بعينهِ وفائدة الآخر الإيهام واللبس، والتقدير ههنا: إما إلقاء منك وإما تسليم لنا لنُلقي، وإنما خيروا موسى لجرأتهم ولاستواء (?) الأمرين عندهم ولقصدهم قطع عذر موسى -عليه السلام- من كل وجه.
{قَالَ أَلْقُوا} سلم لهم الابتداء ليتمكنوا من سحرهم على طمأنينة وجراءة عقل فيكون إبطاله بعد إتمامه أدل على الحق وأوقع في القلوب، ولو ابتدأ موسى لما تمكنوا من سحرهم دهشًا وحيرة {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} أرهبوهم واستدعوا رهبتهم، وإنما وصف سحرهم بالعظم لأنهم حرّكوا الحِبال والعصيّ في الرمضاء بالحيل، شبهوا الجماد بالحيوان لفعل أنفسهم في مقابلة الإعجاز من غير استعانةٍ بالأرواح الخبيثة من الشياطين مستبدين فكان يصغر بجنبه كل سحر.