وراحيل ابنتا خاله، ثم حرم ذلك التوراة، وأَحْدَثَ حكم القُربان لابني آدم وحكم الختان لإبراهيم، والسبتَ وتحريم طبخ الجدي بلبنٍ، وصومَ مدةٍ معينةٍ، والإفطارَ في يومٍ معلومٍ لموسى - عليه السلام - ولم يتقدمهما إيجابٌ من أحدٍ، ولا لزم في عقلٍ فثبتَ جوَازُ النسخ.
والفرقُ بين النسخ والبَدَاء أنَّ النسخَ إزالةُ ما سبق العلم كونه [صلاحًا في وقتٍ دون وقت بما سبق العلم في كونه] (?) غير صلاح في الوقت الأول صلاحًا في الوقت الثاني. والبَدَاء: هو الاستدراك عند اتضاح الملتبس، تعالى اللهُ عن ذلك علوًا كبيرًا.
فإن قيل: قولُكم في بيان النسخ يؤدي إلى الشك في الأوامر المطلقة، هل بقي كونها صلاحًا أم لا؟ قلنا: لا يؤدي إلى ذلك لأنَّا علمنا أن صلاحها إما يرتفع بأمر حادثٍ، وإما بتعذُّر الإتيان بها، ثم إن وجد التعذُّر وقع اليقين بارتفاع الصلاح حالة التعذر.
فإن قيل: قولُكُم هذا يؤدي إلى أنَّ الصحابةَ لم تعتقد (?) في الأوامر المطلقة وجوبًا على التأبيد. قُلنا: الواجِبُ على السامعين اعتقادُ الوجوب على شريطة بقاء الحكم دون اعتقاد الوجوب على التأبيد لأنهم لا يدرونَ لعلَّ الله يُحْدِثُ بعد ذلكَ أمرًا.
وإذا ثبت جوازُ النسخ على طريق الإجمال فلنا أن نقتصر على ذكر مذهبنا فيه.
اعلم أنَّ ما لا يجوز نسخُهُ ستَّةُ أنواعٍ؛ أحدها: نَسْخُ ما يستحيل نسخُه بغير جحد أو اعتراف بالكذب كنسخ قصةِ عاد وثمود وغيرهم، وكالإخبار عن نفسه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (?)، وعن قول الشيطان: {لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ