فحفظ الله لنا كتابه العزيز بكلِّ ما فيه من معاني الجمال في ألفاظه وتراكيبه ومعانيه.
ثم إن الله حَمَّلَ هذه الأمانة العظيمة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام وأمره ببيان هذا المنزل، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (?).
وتعهَّد الله لنبيِّه أن يكون عونًا له في هذا البيان في كلِّ ما يحتاجه المسلم لفهم هذا القرآن العظيم ليظهر الله فيه هذا البيان {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} (?).
فقرأ النبي عليه الصلاة والسلام هذا المُنَزَّلَ على أصحابه وأقبلوا عليه بقلوبهم الصادقة ذليلين منكسرين خاشعين دراسةً وفهمًا وتدبُّرًا وحفظًا، فبذل عليه الصلاة والسلام كلَّ وسعه وجهده في بيانه، فكان إمام المفسِّرين وقدوتهم، وتفسيره لهذا المنزل هو في حدِّ ذاته منزل لأنه وحيٌ من عند الله فلا يفسر عليه الصلاة والسلام من اجتهاده الخاص أو مما تمليه عليه نفسه، بل كان تفسيره معصومًا لا يقبل الخطأ بوجه من الوجوه، ويشهد لذلك قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} (?) وقوله عليه الصلاة والسلام: "ألا إني أوتيتُ القرآنَ ومثله معه" (?).
ولذا كان تفسير القرآن بالسنة النبوية هي المرتبة الثانية من مراحل التفسير بعد تفسير القرآن بالقرآن، فروَّض نفسه عليه الصلاة والسلام وشمَّرَ عن سواعد أفكاره وتصدَّى لبيان المنزل من كتاب الله - عَزَ وَجَلَّ - فلم يترك صغيرة ولا كبيرة، ولا شاردة ولا واردة تحتاج إلى إيضاح وتفسير وبيان إلا بيَّنها، فتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، حتى تتلمذ على يديه عليه الصلاة والسلام نخبة من أصحابه هم أعلام المفسِّرين