مسيل الوادي مما يلي البحر ويفتح مما يلي البلاد، فاستشار عمران عظماء بني كهلان فأجمعوا أن يكتموا الأمر عن إخوانهم من أولاد حمير ليبيعوا منهم حدائقهم وضياعهم ثم يرتحلوا عن تلك، ففعلوا (?) ذلك.
ثم جاء السيل {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} وهم الذين بقوا في ديارهم. وقيل: الذين نزلوا الحجاز وأرض تهامة وسائر البوادي المتاخمة بهذه الديار و {خَمْطٍ} ثمر الأراك (?) وكل شجر لا شوك له ويقال له: البربر، وقيل: البربر ثمر الأثل، والأثل شجر يشبه الطرفا يصنع منه النضار، والنضار القدح المتخذ من شجر الأثل، و {سِدْرٍ} شجر يستظل به ويؤكل من ثمره، وذكر الفراء عن بعضهم أنه السمر (?)، ولا يبعد إلطاف الله لهؤلاء المعاقبين بأن يكونوا رزقوا من هذه الأشجار في أيامهم رزقًا صالحًا يتبلغ به كما رزق بني إسرائيل في التيه من المن, والمواضع التي تنبت فيها هذه الأشجار في أيامنا المفاوز دون السلتين، ذلك إشارة إلى سيل العرم وتبديل الذي هو خير بالذي هو أدنى.
{جَزَيْنَاهُمْ} الجزاء والمجازاة بمعنى، والجزاء يتعدى إلى مفعولين. قال الله تعالى: {ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} [النجم: 41].
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى} قال الكلبي أنهم ندموا على صنيعهم ومقاومتهم الرياح فوعدوا الرسل أن يؤمنوا إن كشف الله عنهم الشر، فدعت لهم الرسل فكشف الله عنهم وجعل من أرض سبأ إلى أرض فلسطين قرى متصلة يبيتون بقرية ويقبلون بقرية لا يحل المسافر عقده حتى يرجع إلى أهله، وكان مقدار سيرهم شهرًا في أمن وسلامة يمتارون الميرة إلى أهليهم حتى نكثوا العهد ورجعوا إلى الكفر والطغيان.