قال: ثم إن الجن الذين كانوا مع سليمان كرهوا أن يتزوجها سليمان لأنها كانت منتسبة من جهة أمها إلى الجن، واحتالوا وقالوا لسليمان: يا نبي الله إن هذه المرأة من جنية، وإن الجنية لم تلد إنسية وكان قدم الولد كحافر الحمار. فأمر سليمان الجن فاتخذوا أمام مجلسه صرحًا من قوارير تحته الماء، وفي الماء سمك، ففعلوا ذلك واعتذروا إلى سليمان مما قالوا في بلقيس وأقروا أنهم كذبوا عليها، فأعجب سليمان ذلك الصرح وقال لهم: أحسنتم، قد عفوتكم عما قلتم فلا تعودوا إلى مثله.
قال (?): وأقبلت بلقيس حتى قربت من الصرح وسليمان قاعد في ذلك الجانب من الصرح فنظرت إليه وقالت لقومها: هذا الرجل إنما دعانا ليغرقنا في هذه اللجة، فقال لها قومها: مرينا بأمرك فإنا لا نبالي أفي الماء غرقنا أم بالسيوف قتلنا، ثم سلَّ القوم سيوفهم، فقال آصف لبعض العفاريت: أصح بهم صيحة، فصاح بهم ذلك العفريت فخروا على وجوههم ثم وثبوا وهم فزعون.
قال: وتقدمت بلقيس إلى الصرح لتعبر (?) وهي تظن أنه ماء جار، قال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} لتخوضه، ونظر سليمان إلى قدميها فإذا هما أحسن قدم يكون على (?) امرأة، فأمر مناديًا فناداها أن غطي ساقيك فإنه {صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} فاستحيت بلقيس وأرسلت ثوبها على ساقيها ثم قالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وأقبلت حتى جلست على كرسي أمام سرير سليمان وقالت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وحملت الريح صوتها إلى قومها قالوا بأجمعهم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
قال: ونظر سليمان إليها وتأملها لحسنها وجمالها فقال لها: ويحك يا بلقيس أفنيت شبابك في عبادة الشمس من دون الله.