فقال سليمان: {نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} فجعلوا مكان الذهب فضة ومكان الفضة ذهبًا وكذلك بدلوا الجواهر.
ونزلت بلقيس على علوة من معسكر سليمان -عليه السلام- (?) ورأت ما أعطي سليمان من عظم الملك فتقاصر إليها ملكها، وأقامت ثلاثة أيام لا تبرح من مكانها فقال لها قومها: ألا تأتين هذا الملك فتنظري ما عنده؟ قالت: أنا صائرة إليه اليوم (?) لأعرف عنه أمره، قالوا: وبم تعرفين ذلك؟ قالت: إن الملوك لا يجلس إليهم إلا بإذنهم، فإن أمرني بالجلوس إليه فإنه ملك وأمره هين، وإن لم يأمرني بالجلوس إليه ولم ينهني عن القيام فهو نبي ولا طاقة لي به، وسأمتحنه بثلاث مسائل فإن أصابهن لم أشك في نبوته وإن لم يصبهن علمت أنه ملك صاحب دولة.
وإن سليمان -عليه السلام- (1) أمر الجن فبنوا عن يمين مجلسه وشماله رواقًا بلبن الذهب مفروشًا به وتركوا من فرشه موضع لبنة، ثم أقبلت ومعها خادم لها على عنقه لبنة من ذهب لتجلس بلقيس عليها، فلما دخلت الرواق فأبصرت ما أبصرت ونظرت إلى موضع اللبنة التي ليست بمكانها كرهت أن يظن القوم أن اللبنة المنزوعة التي هي معها، وأمرت الخادم بوضع اللبنة التي كانت معها في ذلك الموضع فاستوى مرسى الرحى بتلك اللبنة، ثم وقفت أمام سليمان فحيَّته بتحية الملوك، وقامت ساعة لا يأمرها بالجلوس ولا ينهاها عن القيام.
ثم رفع طرفه إليها وقال: يا هذه! إن الأرض بساط الله وإن العباد عباد الله فمن شاء فليقم ومن شاء فليقعد، فقعدت أمامه على كرسي من ذهب والإنس على يمين سليمان والجن على شماله ما يلفظ أحد منهم بكلمة، ونظرت إلى عرشها فأنكرته فقيل لها: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ}.