كما تكمن أهمية الموضوع بأهمية مباحثه التي تقدم ذكرها وبروز مؤلفه الجرجاني - رحمه الله - سيما في الجوانب النحوية والبلاغية المنثورة في مادة الكتاب وتحليلاته الدقيقة فيها حتى وصفه كثير من العلماء كالحافظ الذهبي وغيره بأنه شيخ العربية سيما أنه عاصر الكبار واغترف من فيض علمهم حتى تميَّز بعلمه وأخذ صيته ينتشر في مشارق الأرض ومغاربها، فكتب الله له القبول بين العلماء والباحثين في كلِّ مكان، فجلالة العالم وجلالة العلم الذي كتب فيه أكسب الموضوع - بلا شك ولا ريب - أهمية وقدرًا فنحن في أمسِّ الحاجة إلى علماء مثل هؤلاء ينبرون إلى خدمة هذه العلوم الشريفة علوم الشريعة بما فيها من مباحث والذي أشرفها علم تفسير كتاب الله - عَزَ وَجَلَّ -.
كما أن بروز الجرجاني في جانب البلاغة حتى لم تعرف البلاغة إلا به ولم يعرف إلا بها إذ هو الواضع المؤسِّس لقواعدها وأصولها، فإذا ذكرت البلاغة ذكر الجرجاني معها، وما كتبه التي ألَّفها في هذا الفن والإقبال الشديد عليها إلا أكبر دليل وشاهد على تميُّزه بها وضلوعه في مباحثها. وكتابنا هذا التفسير أودع فيه الكثير من المباحث البيانية والإشارات البلاغية حتى أكسب موضوع التفسير في هذا الكتاب مكانة رفيعة وجليلة في مادتها البلاغية.
كما تكمن أهمية موضوع الكتاب بأسلوبه المتميِّز فقد استعمل أسلوب التنوع في الاختيار، فمرة يختار ما ذهب إليه ابن جرير في تفسيره، ومرة يختار ما اختاره الفراء أو ما اختاره الزجاج في كتابيهما "معاني القرآن" أو غيرهم من أئمة السلف، فإمامنا الجرجاني يترفَّع عن الجمود في الانتماء، وهذا مما يميِّز الكتاب ويضفي عليه غطاءً علميًا متميِّزًا.
ولذا نرجع فنقول إننا نتعامل مع أشرف العلوم وأرفعها، ولذا قال العلاَّمة الأصفهاني في بيان شرف ورفعة هذا العلم فقال: "إنَّ أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان، هو تفسير القرآن، وبيان ذلك هو أنَّ علم التفسير قد حاز الشرف من جهات ثلاث: من جهة الموضوع، ومن جهة الغرض، ومن جهة شدة الحاجة إليه.