فإذا تعيَّن بأن يكون كتاب الله أفضل الكتب وأشرف العلوم يتعيَّن من لازم ذلك بأن تكون مباحثه وكل ما تعلق به هو أشرف العلوم مهما اختلفت مشارب الفنون وأربابها وأصحابها.

وعلماؤنا الأفاضل وسلفنا الأكارم عرفوا أهميته وشرفه فشمروا عن سواعدهم فبذلوا النفس والنفيس في خدمته لما أيقنوا من أنه يحتوي على أسرار ومكنونات يعجز أي مفسر عن الإحاطة بإخراج هذه الأسرار والمكنونات، بل لو جَمَعْتَ كل التفاسير قديمًا وحديثًا في كتاب واحد لم تتحقق تلك الشمولية في تفسيره حتى يأتي من بعدهم فيظهرون من هذه الأسرار والمكنونات والإعجاز والفوائد ما لم يظهره من قبلهم وهكذا حتى تنتهي الدنيا ليعلم الباحثون في علوم القرآن خاصة عجزهم وضعفهم عن احتواء مكنونه، فإذا تبيَّن ذلك فإنه يتعيَّن أيضًا شرف هذا العلم وأهميته. كما تكمن أهمية هذا الموضوع بما تحويه مادته الثرية بالفوائد والشرائد في علوم القرآن المختلفة، فقد أبدع الجرجاني في تبسيط هذه العلوم والفوائد بشكل مختصر ومبسط نحويًا وبلاغيًا وموضوعيًا ومعجميًا لغويًا، كما نثر فيه الكثير من الأحكام الفقهية مجليًا فيها الحلال والحرام في آيات الأحكام، ومظهرًا ميوله للمذهب الشافعي الذي ينتمي إليه، كما أنه لم يغفل ذكر الكثير من الجوانب التاريخية واستعراض الكثير من الأعلام مستشهدًا بأقوالهم باختلاف تخصصاتهم، ثم نراه يستعرض محلِّلًا ومعلِّلًا ومدلِّلًا الكثير من المسائل العقدية التي تظهر لنا ميوله الأشعري الذي ينتصر له في تلك المباحث سيما في آيات الصفات.

وبهذا تتجلى لنا أهمية الموضوع الذي شمرنا سواعدنا في إظهاره، فهو يعدُّ عملًا موسوعيًا في معارفه الشريفة، فمع أن مؤلِّفه جنح إلى أسلوب الاختصار فيه فهو لا يألو جهدًا في استعراض وبسط الكثير من المسائل التي تحتاج إلى تحرير ومناقشة ليظهر لنا نتائج تلك المباحث، ولذا نرى أن المباحث المطروقة في هذا التفسير ينشد إليها طالب العلم المتخصص كما ينشد إلى قراءتها والتلذذ في مادتها حتى العامة من الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015