الأولى للدعوة حيث ضيق المشركون الخناق عليها وطاردوا أتباعها في كل مكان «فقد تكفل القرآن الكريم بإقناع أولي النهي من أول يوم، وجاءت في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ضربا من التكريم لشخصه، والإيناس له، غير معطلة للمنهج العقلي الذي اشترعه القرآن. وقد اقترح المشركون على النبي- يوما- أن يرقى في السماء، فجاء الجواب من عند الله قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا؟ (?) فلما رقي في السماء بعدئذ، لم يذكر قط أن ذلك رد على التحدي أو إجابة على الاقتراح السابق» (?) على العكس وجدنا الروايات تحدثنا عن أن صعوبة تصديق حادث غيبي كهذا دفع المشركين إلى مزيد من التحدي والاستهتار وردّ نفرا من المسلمين من ضعاف الإيمان إلى كفرهم!! ومهما يكن من أمر فإن حادث (التكريم) هذا «ترك ثماره في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم فاستراح إلى حمد الخالق وقل اكتراثه لذم الهمل من الجاحدين والجاهلين، ثم نشط إلى متابعة الدعوة، موقنا أن كل يوم يمر بها هو خطوة إلى النصر القريب» (?) .
تأتي بعد ذلك مسألة البعد (الزمني) لحادثة الإسراء والمعراج، هذه التي اجتاز بها الرسول في ليلة واحدة، أو جزء من ليلة، المسافات الفاصلة بين مكة والقدس، وهي المسافات التي تتضاءل وتضيع إذا ما عرضناها على الأمداء الكونية الهائلة التي قطعها الرسول صلى الله عليه وسلم عبر السماوات، في أعماق ذلك الليل!! ولنرجع إلى القرآن نفسه نتمعن في بعض آياته ونستنطقها حول هذه المسألة.
فهنالك حشد من الآيات واللمسات والإشارات منبثة في حنايا السور، نذكر منها- على سبيل المثال- هذه الآيات الموحية ذات الدلالة العميقة قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ (?) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ (?) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (?) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (?) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ (?) ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (?) يَسْئَلُهُ مَنْ