فإني قد جئته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فرفع لي- أي بيت المقدس- حتى نظرت إليه» ثم راح يصفه لأبي بكر وأبو بكر يقول: صدقت، أشهد أنك رسول الله.
حتى إذا انتهى الرسول من وصفه، التفت إلى صاحبه وقال: أنت يا أبا بكر الصدّيق (?) !!
وينقل ابن إسحاق عن الحسن قوله: إن كثيرا ممن أسلم ارتد في أعقاب سماعهم الرسول يتحدث بأمر الإسراء والمعراج (?) ، ولا ريب أن في هذا التعليق مبالغة إذا ما عرضناه على المنطق الذي ناقش به أبو بكر الصديق القضية كلها: إن المسلمين الأوائل الذين انتموا للإسلام، في عهد محنته، تصديقا، بما يجيئهم من الرسول صلى الله عليه وسلم من خبر السماء لا يمكن أن يهزهم نبأ الإسراء والمعراج، ويردهم إلى حظيرة الكفر.. لكن هذا لا يمنع أن (قلة) من ضعاف الإيمان، الذين يؤرجحهم التردد، ويرهقهم طغيان قريش وحربها النفسية قد يجدون في هذا النبأ مجالا للانقلاب إلى عالم الكفر الذي خرجوا منه عن غير وعي أصيل، والخلاص من الامتحان والاضطهاد اللذين أدركوا أنهما سيزدادان في أعقاب النبأ الجديد.
يؤكد هذا ما ورد في مسند أحمد (?) من حديث ابن عباس الذي قال فيه «أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره إلى بيت المقدس، وبعيرهم، فقال ناس: نحن نصدّق محمدا بما يقول؟ فارتدوا كفارا، فضرب الله أعناقهم مع أبي جهل» أي في معركة بدر.
هذا هو الهيكل العام لقضية الإسراء والمعراج، وردود الفعل التي أثارتها.
وقبل أن نبدأ تحليل (البعد الزمني) للقضية، وهو أخطر ما في الموضوع، لا بد أن نستعرض- أولا- القيم والمعاني التي تتبدى من خلالها.
لقد أسري بالرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى تأكيدا للرباط المتين الذي يشد البلدين إلى بعضهما، حيث انطلق الأنبياء على مدار القرون، يدعون إلى عبادة الله الواحد ورفض الصنميات الفانية.. في مكة حيث أقام إبراهيم أبو الأنبياء، وابنه إسماعيل أول بيت لله على الأرض.. وفي القدس حيث انبعثت نبوات متتالية تكافح من أجل تعزيز دعوة النبي الأب إبراهيم. وهناك كان الأنبياء الكرام السابقون ينتظرون (خاتمهم) لكي يؤمهم في صلاة جماعية،