تعبيرا عن الدور الواحد الذي جاؤوا إلى العالم لأدائه، واتجاها إلى الهدف الواحد الذي بعثوا لتحريك الناس إليه، وسجودا لله الواحد الذي كرم الإنسان وشرفه بالدين.. ووقوفا وراء النبي الذي جاء لكي يتمم البناء ويضع اللبنات المحكمة الأخيرة فيه.. ويمضي.. ومنذ البدء كان الله سبحانه قد أخذ ميثاق النبيين وعهدهم على أن يصدق بعضهم بعضا ويتمم اللاحقون منهم الشوط الذي كان السابقون قد بلغوه وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (?) .
ثم تجيء التحيات المتبادلة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين إخوانه السابقين عليهم السلام، وهو يصعد بصحبة جبريل عبر السماوات، تأكيدا وتعزيزا لهذه (الوحدة) النبوية التي لا انفصام لها وتقديرا للمبعوث (الأخير) الذي كتب عليه شرف إتمام البناء وإكمال الدين وتحميل الإنسان مسؤوليته الكاملة، أيا كان هذا الإنسان. إن نبينا صلى الله عليه وسلم يحدثنا بنفسه فيقول: «مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلّا وضعت هذه اللبنة؛ فأنا تلك اللبنة، وأنا خاتم النبيين» (?) . وكان المسيح (عليه السلام) قد أكد لأتباعه على هذا الرجل الذي سيبعث لإتمام البناء (?) .
وفي ليلة الإسراء والمعراج، يقول محمد الغزالي «تأكدت الصفة الأولى لهذا الدين وهي أنه دين الفطرة، ففي الحديث (.. ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن ... ) إن سلامة الفطرة لبّ الإسلام، ويستحيل أن تفتح أبواب السماء لرجل فاسد السريرة عليل القلب. إن الفطرة الرديئة كالعين الحمئة لا تسيل إلا قذرا وسوادا، وربما أخفي هذا السواد الكريه وراء الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
(?) والآخرى وَلَقَدْ رَآهُ (?) نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى. ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (?) «فتعليل الإسراء- كما نصت الآية- أن الله يريد أن يري عبده بعض آياته. ثم أوضحت آيات المعراج أن الرسول صلى الله عليه وسلم شهد بالفعل بعض هذه الآيات الكبرى.
وقد اختلف العلماء، من قديم، أكان السري الخارق بالروح وحده أم بالروح والجسد جميعا؟ والجمهور على القول الأخير» (?) .
في صبيحة اليوم التالي غدا الرسول صلى الله عليه وسلم على قريش، فأخبرهم الخبر، فقال أكثر الناس «هذا والله الأمر البيّن! والله إن العير لتطرد شهرا من مكة إلى الشام مدبرة، وشهرا مقبلة، أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة؟» .
وذهب الناس إلى أبي بكر، رفيق الرسول صلى الله عليه وسلم وأول رجل آمن بدعوته، فقالوا له:
هل لك يا أبا بكر، في صاحبك، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلّى فيه ورجع إلى مكة؟ فقال لهم أبو بكر: إنكم تكذبون عليه. فقالوا: بلى ها هو ذاك في المسجد يحدّث به الناس. فقال أبو بكر: والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك؟ فو الله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار، فأصدقه! فهذا أبعد مما تعجبون منه.
وأقبل أبو بكر على الرسول صلى الله عليه وسلم وسأله: يا نبي الله، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة؟ قال: نعم. قال أبو بكر: يا نبي الله فصفه لي،