وخلال ذلك كان أتباع الدين الجديد يقاسون شتى أنواع العذاب والاضطهاد وكانت كل قبيلة تثب على من فيها من المسلمين، أحرارا وعبيدا، فتحبسهم وتعذبهم بالضرب والجوع والعطش وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر، فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي ينصب عليهم ومنهم من يصلب لهم ويعصمه الله منهم. وقد روى مجاهد أن المستضعفين من المسلمين ألبسوا دروع الحديد، وصهروا في الشمس حتى بلغ الجهد منهم (?) .
كان بلال بن رباح مؤمنا صادق الإيمان، طاهر القلب، وكان سيده أمية بن خلف الجمحي يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له: لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، فيقول وهو في ذلك البلاء:
أحد أحد ... فيضع أمية في عنقه حبلا ويأمر الصبيان فيجرونه. وكان ورقة بن نوفل يمر به وهو يعذب ويصرخ أحد أحد، فيقول أحد أحد والله يا بلال. وظل بلال على هذه الحال إلى أن أعتقه أبو بكر وأعتق معه ست رقاب أخرى من ضعفاء مكة من الرجال والنساء، وعندما قال له أبوه، يا بني إني أراك تعتق رقابا ضعافا، لو أنك إذ فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقومون دونك. أجاب أبو بكر: يا أبت إني إنما أريد الله عزّ وجلّ (?) .
يقول عمرو بن العاص: مررت ببلال وهو يعذب في الرمضاء، لو أن بضعة لحم وضعت لنضجت، وهو يقول: أنا كافر باللات والعزى، وأمية بن خلف مغتاظ عليه فيزيده عذابا فيغشى عليه ثم يفيق.. ويقول حسان بن ثابت:
اعتمرت، فرأيت بلالا في حبل طويل، تمده الصبيان، ومعه فيه عامر بن فهيرة وهو يقول: أحد أحد، أنا كافر باللات والعزى، فأضجعه أمية على الرمضاء.
ويقول مجاهد: جعلوا في عنق بلال حبلا وأمروا صبيانهم أن يشتدوا به بين جبلي مكة، ففعلوا ذلك وهو يقول: أحد أحد.. ويقول عروة: كان بلال من المستضعفين من المؤمنين وكان يضرب حين أسلم ليرجع عن دينه فما أعطاهم قط كلمة مما يريدون ... ويقول بلال نفسه: أعطشوني يوما وليلة، ثم أخرجوني فعذبوني في الرمضاء في يوم حار (?) .