يا محمد عن الصلاة؟ فانتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاب: أتنتهرني وتتهددني وأنا أعز أهل البطحاء؟ (?) .
وعندما اقترب موسم الحج خاف زعماء قريش أن يفيد الرسول صلى الله عليه وسلم من فرصة التجمع البشري هذه فيتصل بوفود العرب وقبائلها ويعرض عليها الإسلام فدعا أحد كبارهم وهو الوليد بن المغيرة قومه إلى أن يجتمعوا إليه وأعلمهم أن الموسم قد حضر وأن وفود العرب قادمة إلى مكة، وأن عليهم أن يصدروا في أمر الرسول عن رأي واحد كيلا يختلفوا ويكذب بعضهم بعضا. فقال بعضهم: نقول إنه كاهن، فأجاب الوليد: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه. فقال آخرون: نقول مجنون. أجاب: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا وسوسته. قالت فئة ثالثة: نقول شاعر.
فأجاب الوليد: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر. قال بعضهم: فنقول ساحر. أجاب الوليد:
ما هو بساحر، لقد رأينا السحّار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم. قالوا: فما تقول أنت؟ قال: «والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق (?) وإن فرعه لجناة (?) ، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل. وإنّ أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر، جاء بقول هو سحر يفرق بين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته. وتفرق القوم على هذا الرأي وانتشروا في مداخل مكة ومسالكها حيث تمر الوفود لأداء مناسك الحج، فكلما مرّ بهم وفد حذروه دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم واتهموه بالسحر. وجاءت محاولتهم هذه بعكس النتائج التي توقعوها، ذلك أن العرب صدروا ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها، فكأن قريشا سعت- من حيث لم تشعر ولم ترد- إلى نشر الدعوة الناشئة في الآفاق (?) .
مضت الدعوة تشق طريقها الصعب في مكة بين قبائل قريش رجالا ونساء، وقريش تحبس من قدرت على حبسه وتفتن من استطاعت فتنته من المسلمين وأسلم حمزة بن عبد المطلب غضبا لابن أخيه من أبي جهل الذي آذاه وشتمه