ويؤكد المؤرخ المذكور أن «في أغلب الروايات التي يتصل سندها بكعب الأحبار أو محمد بن كعب القرظي أو النعمان السبائي، وهم من مسلمة يهود، أو غيرهم من مسلمة أهل الكتاب طابع القصص الإسرائيلي، وفي أغلبه دسّ على الرسول وعلى الإسلام، كما في قصة الغرانيق وفي أمور أخرى ... ويظهر من دراسة هذا النوع من القصص أن أصحابه كانوا يريدون من روايته ونشره وإدخاله بين المسلمين أمرا، وأن قلوبهم لم تكن مسلمة كألسنتهم، وأنهم كذبوا على التوراة والإنجيل أحيانا وذلك على سبيل التودد إلى المسلمين والتقرب إليهم على ما يبدو» .. ويمضي إلى القول بأن مما يلاحظ «أن معظم هذا القصص المتقدم هو ما يرد في الكتب المتأخرة، أما الكتب الواصلة إلينا من أول عهد المسلمين بالتدوين، فقد كانت تتحاشاه في الغالب، ولا تميل إليه ولا إلى الخوارق والمعاجز، وهو قصص مخالف لما جاء في القرآن الكريم عن الرسول ولحديث الرسول، ولروح الإسلام، ولهذا وجب أن يكون اعتماد المؤرخ على هذا الموارد المتقدمة المحترمة في نظر النقاد أمثال: كتب الصحاح في الحديث وسيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد وتاريخ الطبري. وسندنا الأول بالطبع ومرشدنا قبل كل هذه هو القرآن» (?) .
وعلى المستوى الحربي يقول محمود شيت خطاب، بصدد المنهج الذي اعتمده في كتابه عن (الرسول القائد) : «وقد أغفلت ذكر الحوادث التي لا يمكن أن تحدث في الحرب فعلا، تلك الحوادث التي يرددها بعض المؤرخين ليثبتوا للناس أن انتصار الرسول صلى الله عليه وسلم كان بالخوارق غير الاعتيادية بالدرجة الأولى، لا بتطبيق مبادىء الحرب. ومن الغريب أنهم يعتبرون ذلك من مظاهر الإيمان برسالة النبي.. لقد كان محمد واقعيا بعيدا عن الخيال، وكان إذا أراد شيئا هيّأ له أسبابه.. وقد عمل بكل مبادىء الحرب المعروفة، إضافة إلى مزاياه الشخصية الآخرى في القيادة، لهذا انتصر على أعدائه، ولو أغفل شيئا من الحذر والحيطة والاستعداد لتبدّل الحال غير الحال» (?) .
ونحن نلتقي بهذا التحذير من تضخيم السيرة، وبخاصة فيما قبل البعثة، بحشد من القصص والإسرائيليات والخوارق، في كتاب محمد عزة دروزة القيّم