في مواجهة الإسلام وخصومته، ووضع العوائق في طريقه، وحبك المؤامرات ضده، وقضى قضاء تاما على القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية ليهود الحجاز، وغدت كلمة الإسلام وحدها هي العليا في معظم مساحات الجزيرة العربية، وكبتت كل الجيوب التي كانت تشكل نقاط ضعف في جسد هذه الدولة التي يحيط بها الأعداء من كل مكان.
ويذكر ابن سعد أن الرسول صلى الله عليه وسلم نشط في نفس العام (7 هـ) في الكتابة إلى زعماء بقايا التجمعات اليهودية في أقصى الشمال لتحديد موقفها من الإسلام. فبعث إلى بني جنبة بمقنا القريبة من أيلة على خليج العقبة «أما بعد، فقد نزل علي رسلكم، راجعين إلى قريتكم، فإذا جاءكم كتابي هذا فإنكم آمنون لكم ذمة الله وذمة رسوله، وإن رسول الله غافر لكم سيئاتكم وكل ذنوبكم لا ظلم عليكم ولا عدى، وإن رسول الله جاركم مما منع منه نفسه.. وإن عليكم.. ربع ما أخرجت نخلكم وربع ما صادت عروككم (مراكبكم) وربع ما اغتزل نساؤكم وإنكم برئتم- بعد- من كل جزية أو سخرة. فإن سمعتم وأطعتم فإن على رسول الله أن يكرم كريمكم ويعفو عن مسيئكم.. وإن ليس عليكم أمير إلا من أنفسكم أو من أهل رسول الله ... » ،
وكتب لجماعة أخرى من اليهود تدعى بني غاديا (.. إن لهم الذمة وعليهم الجزية ولا عداء..) كما كتب لبني عريض كتابا آخر يحدد فيه ما عليهم أن يدفعوه للمسلمين لقاء حمايتهم لهم وعدم ظلمهم إياهم» .
وكتب لأهل جرباء وأذرح من اليهود، «أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان للمسلمين ومن لجأ إليهم من المسلمين» (?) . وبذلك تمكن الرسول صلى الله عليه وسلم من تحويل هذه التجمعات اليهودية في أقصى الشمال إلى جماعات من المواطنين في الدولة الإسلامية، يدفعون لها ما تفرضه عليهم من ضرائب نقدية أو عينية، ويحتمون بقوتها وسلطانها، ويتمتعون بعدلها وسماحتها.
ولقد ظل اليهود بعدئذ، كمواطنين وليسوا كتلا سياسية أو عسكرية، يمارسون حقوقهم في إطار الدولة الإسلامية، لا يمسهم أحد بسوء، وعاد بعضهم