ونحن لا نستطيع أن ندرك مغزى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إذا عدنا بأذهاننا إلى الوراء، إلى السنة التاسعة للهجرة، حيث نزلت آيات براءة تعلن إنهاء الوجود الوثني في جزيرة العرب. وقلنا هناك إن الضرورتين الاستراتيجية والحضارية هما اللتان دفعتا إلى اتخاذ هذا الموقف، ومن ثم يجيء تأكيد الرسول صلى الله عليه وسلم في أخريات حياته (ألا يجتمع دينان في الجزيرة) ، ضمانة أخرى بصدد تعزيز الاستراتيجية الإسلامية التي رسمها صلى الله عليه وسلم واستهدف منها جعل جزيرة العرب قاعدة إسلامية خالصة مهيّأة لانطلاق أتباعه برسالته إلى العالم كله، وهم قد أمنوا على ظهورهم من طعنات أتباع الديانات الآخرى في قلب بلادهم، ومن السموم التي يمكن أن تنفثها جيوبهم المنبثة هناك، والتي لم تكن حركات الردة والتنبؤ بأقلها خطرا.. وهذا الموقف لا يتعارض مع بقاء بعض التجمعات اليهودية المسالمة التي لا تملك تأثيرا كبيرا في بعض مناطق الجزيرة والتي كانت تربطها مع الرسول صلى الله عليه وسلم عهود خاصة.
لما سمع يهود فدك، القرية اليهودية المجاورة، بما حل برفاقهم في خيبر من معاملة طيبة بعثوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يعلنون رغبتهم في المصالحة على مناصفة أراضيهم (?) . أما وادي القرى فقد ظلت عاصية، فتوجه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم وفرض الحصار عليها، ودعا أهاليها إلى الإسلام، وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم، وحسابهم على الله، ولكنهم أبوا وأصروا على القتال، وجرت بين الطرفين مناوشات محدودة، والرسول يعرض عليهم الإسلام وهم يأبون مما دفعه إلى تشديد الحصار عليهم حيث تمكن بعد قليل من فتح بلدهم عنوة، وبقي هناك أربعة أيام قسم خلالها الغنائم على أصحابه وترك المزارع بيد اليهود مناصفة عليها. ولما بلغت يهود تيماء أنباء الانتصارات الإسلامية صالحوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الجزية وأقاموا في بلدهم (?) .
[8]
وبسقوط خيبر والمواقع المجاورة تم تصفية آخر تجمع يهودي لعب دوره