منه لإمكاناتهم الزراعية ورغبة منه في الإفادة من أية طاقة في إعمار الأراضي واستثمارها إلا أنه بيّن لهم أن موافقته هذه غير ملزمة إلى الأبد «فإنا إن شئنا أن نخرجكم أخرجناكم» لما يعرفه عن طبع اليهود من عدم الوفاء بالعهد ومن انتهاز أية فرصة تسنح للغدر والخيانة (?) .
ويزيد ولفنسون مسألة معاملة يهود خيبر وضوحا فيبين أن خيبر كانت واسعة الأطراف وفيها من الحدائق والمزارع ما يحتاج للأيدي الكثيرة التي مارست أشغال الزراعة والفلاحة، ولم يكن من العرب من مارس ذلك إلا النزر اليسير. وفوق ذلك لم يرض الرسول أن يترك من أنصاره من يستوطن هذه الأرض ويعمل بها لاحتياجه إليهم في الأعمال الحربية، ولم يكن في الإمكان ترك هذه الأرض الخصبة بورا لا تنتج زرعا ولا ثمرا والدولة الإسلامية الناشئة كانت في أشد الحاجة إلى الأموال الكثيرة، فلم يكن بد من الإبقاء على اليهود ليعملوا في هذه الأرض وينتجوا منها الزرع والثمر، ولذا كانت شروط الصلح التي عقدت بين الطرفين في مصلحة المسلمين أكثر منها في جانب المغلوبين، وما دامت شوكة اليهود في الحجاز قد انكسرت فليس ما يخشى من وجود يهود خيبر في أراضيهم (?) .
وهناك أمر يستوقف النظر وهو أنه كان بين الغنائم التي غنمها المسلمون في غزوة خيبر صحائف متعددة من التوراة، فلما جاء اليهود يطلبونها أمر النبي بتسليمها لهم. ويدل هذا على ما كان لهذه الصحائف في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم من المكانة العالية مما جعل اليهود يشيرون إلى النبي بالبنان حيث لم يتعرض بسوء لصحفهم المقدسة. ويذكرون بإزاء ذلك ما فعله الرومان حين تغلبوا على أورشليم وفتحوها سنة 70 ب. م إذ أحرقوا الكتب المقدسة وداسوها بأرجلهم، وما فعله المتعصبون من النصارى في حروب اضطهاد اليهود في الأندلس حين أحرقوا أيضا صحف التوراة. هذا هو البون الشاسع بين الفاتحين ممن ذكرناهم وبين رسول الإسلام (?) .