بني عديّ بن النجار قصدت بها أن تزيره إياهم، فتولى أمره جده عبد المطلب الذي كان يقعده إلى جواره في مجلسه في ظل الكعبة، ويقول لبنيه إذا ما أرادوا إبعاده عنه «دعوا ابني، فو الله إن له لشأنا» ثم يمسح ظهره بيده ويسرّه ما يراه يصنع (?) .

لم تطل رعاية الجد وعطفه الذي عوّض حفيده حدب الأب وحنان الأم، إذ ما لبث أن توفي، ومحمد لم يجاوز الثامنة من عمره فتولى أمره عمه أبو طالب، لأنه وعبد الله والد الرسول صلى الله عليه وسلم كانا لأم واحدة (?) ، ولم يكن أبو طالب بالرجل الموفور المال، وكان يعيل عددا من الأبناء الأمر الذي اضطر محمدا صلى الله عليه وسلم أن يعينه في كسب قوته حسب طاقته، فكان يرعى له الأغنام وعندما قرر عمه الخروج في تجارة إلى الشام- وكان قد بلغ آنذاك التاسعة من عمره- رجاه أن يصحبه معه، فرق له أبو طالب وقال «والله لآخرجن به معي، ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا» (?) .

لدى وصول المركب مدينة بصرى الواقعة على طريق التجارة إلى الشام، وهي أبعد مكان رآه الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وأقصى موقع زاره في بلاد الشام (?) نلتقي برواية طرحها عدد من مؤرخي السيرة القدماء دون نقد ولا تمحيص، تقول إنهم لما نزلوا قريبا من بصرى دعاهم إلى الطعام راهب يدعى (بحيرى) منقطع إلى صومعته يدرس فيها التوراة والإنجيل ويعبد الله.. فلما حضروا جميعا راح بحيرى يركز أنظاره على الصبيّ ويلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده كأنه كان يبحث ويمعن النظر في الصفات والملامح التي تحدثت عنها التوراة والإنجيل في النبي الذي حان موعد ظهوره. حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام إليه بحيرى وقال له: يا غلام، أسألك بحق اللّات والعزّى إلّا ما أخبرتني عما أسألك عنه. فأجابه محمد: لا تسألني باللات والعزّى فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما. قال بحيرى: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه.

قال محمد: سلني ما بدا لك، فجعل بحيرى يسأله عن أشياء من حاله في نومه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015