الآية وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ (?) ، فلما فرغ جبريل من تلاوة الآية قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إني أخاف بني قينقاع، وسار لقتالهم (?) . ومهما كان الأمر فإن يهود بني قينقاع قد تحدوه صراحة سواء في أقوالهم وحربهم النفسية، أم في مواقفهم وأعمالهم، حتى أن الواقدي يذكر أن بني قينقاع اجتمعوا على الرجل فقتلوه «ونبذوا العهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحاربوا وتحصنوا في حصنهم» (?) . ومن ثم يبدو تهافت ما ذكره ولفنسون من أن الأسباب التي حملت النبي على البدء بمحاربة بني قينقاع- من بين جميع اليهود- ترجع إلى أن بني قينقاع كانوا يسكنون داخل المدينة، في حي واحد من أحياء الأقوام العربية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطهر المدينة وأحياء الأنصار من المشركين ومن جميع من يخالفون دينه، وغني عن البيان أن بني قينقاع كانوا أغنى طوائف اليهود في يثرب.. ثم كان عددهم غير كثير، فكان من السهل مقاتلتهم واستئصال شأفتهم (?) .

لم يقف الرسول صلى الله عليه وسلم ساكتا إزاء تحدي بني قينقاع، وهم ينقضون صراحة بنود الدستور، ويثيرون فتنة كان الدستور قد أكد على معاقبة مرتكبيها واعتبارهم ناقضين للعهد، ومن ثم فرض الحصار على حصونهم الواقعة داخل المدينة، في شوال من السنة الثانية للهجرة، وقد استمر الحصار خمس عشرة ليلة وانتهى بنزول اليهود على حكم الرسول الذي قضى بإجلائهم عن يثرب إلى أي مكان يشاؤون (?) ، دون أن ينزل أية عقوبة- أخرى- بهم، كي يجيء حكمه بمستوى الجرم الذي اقترفوه. وبخروجهم إلى أذرعات من بلاد الشام تخلص المسلمون من واحدة من القبائل اليهودية الرئيسية الثلاث المنتشرة- منذ زمان بعيد- داخل المدينة وخارجها، فازدادت وحدة المدينة تماسكا، وازداد اليهود ضعفا. ويظهر أن إجلاء بني قينقاع كان له وقع عظيم في نفوس اليهود، فقد امتنعوا في أعقاب ذلك عن المجادلة الدينية، وكفوا عن رمي المسلمين بقوارص الكلم، ودخلت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015