مدارسهم، يتحدثون إليهم ويسألونهم ويسمعون منهم، ويرون التوراة تصدق القرآن والقرآن يصدق التوراة (?) . ولن ننسى هنا إسلام الحبر اليهودي المعروف عبد الله بن سلّام القينقاعي وأهل بيته (?) ، ومجابهته اليهود بإسلامه ودعوته إياهم إلى الدين الجديد (?) .

وبدأ الصراع المرير بين الإسلام وبين الوثنية العربية بقيادة قريش حروب عصابات وحصارا اقتصاديا أول الأمر، ومجابهات عسكرية نظامية حاسمة بعد ذلك.. وبدأ يتضح لليهود- بعد الانتصار الذي حققه المسلمون في بدر- أن بقاءهم ساكتين إزاء ما يجري من صراع سيمكن الرسول صلى الله عليه وسلم من تصفية أعدائه وتعزيز مركز الدولة الإسلامية في الجزيرة، وسيجد اليهود أنفسهم آنذاك منفردين بمواجهة الإسلام، مرغمين على قبول سلطته السياسية بشكل نهائي، وهذا ما لا يمكن أن يتصوروه لأنه يمثل خطرا على مصالحهم وانغلاقهم وتفرّدهم التاريخي الطويل بالسلطان. ومن ثم بدؤوا يتحركون باتجاهات شتى لعرقلة الحركة الإسلامية، ووضع المصاعب في طريقها وسحقها في نهاية المطاف، ضاربين عرض الحائط بكل التزاماتهم تجاه الإسلام في الدستور الذي وقعوه مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يدع اليهود، في تحركاتهم المضادة تلك، أسلوبا إلا اتبعوه تصعيدا للحرب النفسية والمطاردات الجدلية (?) ، فتنة اجتماعية، اغتيالا فرديا، تحركا عسكريا، خيانة في الأوقات الحرجة، وتأليبا للقوى المعادية للإسلام وتجميعها كي تضرب عن قوس واحدة، إلا أن من سوء حظ اليهود أنهم لم يتحركوا مجتمعين ويقفوا صفا واحدا بمواجهة الإسلام، الأمر الذي مكّن الرسول صلى الله عليه وسلم من التصدي لكل منهم على انفراد، وتصفيته واحدا بعد آخر. وربما فكر اليهود في هذا التحرك الجماعي المشترك لولا خوفهم العاقبة حيث سيؤدي ذلك إلى كشفهم نهائيا وهم لم يعتادوا العمل المكشوف، ومن ثم آثروا الأسلوب الآخر، وهو أن يختار كل قبيلة منهم الفرصة المناسبة لضرب الإسلام وإضعاف دولته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015