والأنصار في الشوارع. ولم يمض ثمانية عشر شهرا على قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى يثرب حتى تليد الجو بالغيوم الكثيفة وجعل كل فريق يتواصى بالحذر والنفور من الفريق الآخر (?) .
وزاد الأمر توترا انضمام المنافقين إلى اليهود في حربهم النفسية مع المسلمين. ولقد جاء في الآيات الأولى من سورة البقرة، التي هي أول السور المدنية في ترتيب النزول وبصدد الحديث عن المنافقين وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ، فقد قال جمهور المفسرين إن شياطينهم هم اليهود، ويدل هذا على أن اليهود هم الذين أغروا المنافقين بالنفاق أو شجعوهم في مواقف الخداع، وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لم يغب عنهم ذلك (?) .
وبلغ الجدل بين محمد صلى الله عليه وسلم واليهود مبلغا من الشدة يشهد به ما نزل من القرآن فيه، فقد نزل إحدى وثمانون آية من سورة البقرة، وقسم كبير من سورة النساء وكله يذكر هؤلاء اليهود وإنكارهم لما في كتابهم ويلعنهم، لكفرهم وإنكارهم، أشد اللعنة (?) .
ولم يكتف اليهود بالوقيعة بين المهاجرين والأنصار، وبين الأوس والخزرج، ولم يكفهم فتنة الناس عن دينهم، ومحاولة ردهم إلى الشرك، دون تهويدهم، وصدهم من يريد الإسلام من المشركين، بل حاولوا فتنة محمد صلى الله عليه وسلم- كما رأينا- بإلقاء أسئلة محرجة عليه- مستعينين بما عندهم من علم الكتاب- كان القرآن يتصدى لدحضها أو الإجابة عليها، أو فضح نواياها (?) .
وحين ضاق اليهود ذرعا بمحمد فكروا في أن يقنعوه بالجلاء عن المدينة كما أجلته قريش عن مكة، فذكروا له أن من سبقه من الرسل ذهبوا إلى بيت المقدس وكان مقامهم به.. لكن محمدا أدرك ما يرمون إليه، وأوحى الله إليه على رأس سبعة عشر شهرا من مقامه بالمدينة أن يجعل قبلته المسجد الحرام،