لخيانتهم في ميدان القتال (?) .

وفي أعقاب الهجرة، ولفترة من الوقت، سارت العلاقات بين الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود سيرا حسنا، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يطمح من جهته أن يتفهم اليهود دوافع حركته الدينية وأهدافها والعوامل المشتركة التي تربط الأديان السابقة، بما فيها اليهودية، بالإسلام، لا سيما وأنهم يرون بأم أعينهم في صفحات كتبهم تلك التأكيدات المستمرة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. وقد أدى المصدر الواحد لكلا الدينين إلى أن تمارس بعض الطقوس والشعائر الإسلامية وفق بعض (الأشكال) التي يمارسها اليهود ... وهذا أمر منطقي بطبيعة الحال بالنسبة للدعوة الجديدة التي جاءت لتعلن أكثر من مرة أنها ليست سوى امتداد على نفس الطريق للدعوة الدينية الكبرى التي بدأها إبراهيم عليه السلام ونادى بها فيما بعد موسى وعيسى عليهما السلام. ومن هنا يبدو الخطأ الساذج الذي وقع فيه عدد كبير من الكتاب والمستشرقين، نذكر منهم على سبيل المثال بروكلمان الذي يقول: «تأثرت اتجاهات النبي الدينية في الأيام الأولى من مقامه في المدينة، بالصلة التي كانت بينه وبين اليهود، وأغلب الظن أنه كان يرجو عقب وصوله إلى المدينة أن يدخل اليهود في دينه، وهكذا حاول أن يكسبهم عن طريق تكييف شعائر الإسلام بحيث تتفق وشعائرهم في بعض المناحي» (?) .

وقد أمّل اليهود، في مطلع العهد المدني، وقد رأوا هذا التعاطف الإسلامي إزاءهم دون أن يفهموا أسبابه العميقة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم ربما يقر بأرجحية العقيدة التي يؤمنون بها، وأنه سيتركهم وشأنهم مكتفيا بتشكيل وحدة يثربية تضم الطرفين وتحمي مصالحهما المشتركة بوجه العرب المشركين في الداخل والخارج، بل إنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك وظنوا أنهم ربما تمكنوا يوما من استمالة الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم وإدخاله وصحبه في دينهم!! إلا أن ظنهم سرعان ما خاب عندما أدركوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس مجرد زعيم يحترف السياسة ويعتمد كل أسلوب لتحقيق أهدافه، وإنما هو صاحب رسالة عظمى إزاء العالم كله.. رسالة تتجاوز تعاليمها ومتطلباتها الحدود الإقليمية ليثرب، أو حتى الجزيرة العربية كلها، باتجاه الإنسان في كل مكان. وازداد الأمر وضوحا عندما توالت دعوات الرسول صلى الله عليه وسلم وتأكيداته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015