أرض يثرب، والعداء الذي استفحل أمره بين الجبهتين يؤيد ما نقول.

إلا أن محاولات الوثنية وحليفتها اليهودية أخفقت، وأعقب كفاح الرسول صلى الله عليه وسلم الدائب وثبات أصحابه وصمودهم انتصارا عظيما تمخض عن الهجرة إلى يثرب وإنشاء دولة الإسلام فيها. ولم يكن يهود يثرب بقادرين- أول الأمر- على إعلان مجابهتهم المكشوفة للدولة الناشئة، وأتباعها من عرب المدينة يزدادون كثرة يوما بعد يوم، ولم يكن من مصلحتهم أيضا أن يتولوا بأنفسهم كبر مقاومة الإسلام، وقريش لا تزال على قوتها وقدرتها على الضرب. فلتلق تبعة الصراع إذن على قريش، وليظل اليهود في المواقع الخلفية يشاهدون الصراع ويخططون على ضوء نتائجه المتوقعة، حتى إذا ما وجدوا ثغرة لضرب الإسلام تسللوا منها لتسديد طعنة إليه، أو لمسوا ضعفا وإنهاكا انقضّوا يضربون ويطعنون.. وهكذا وافقت معظم القبائل اليهودية على الدستور الذي طرحه الرسول صلى الله عليه وسلم لتنظيم الأمور السياسية والمدنية في يثرب ودخلوا أطرافا فيه كي يتيحوا لأنفسهم فترة من الوقت يستردون فيها أنفاسهم إزاء السرعة التي كانت الأحداث تتحرك بها. ورغم أن هذا الميثاق كان ينص- فيما ينص عليه- على إسهام اليهود مع المسلمين في صدّ أي عدوان قرشي يقع على المدينة، تعظية النفقات المالية للقتال، فإن اليهود لم ينفذوا هذا البند ماليا ولا عسكريا.. ولم يشأ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يلح عليهم لتنفيذه ما دامت استراتيجيته في الصراع تقوم على عدم ضرورة فتح أكثر من جبهة والدولة الإسلامية لم يشتد ساعدها بعد. المهم أن يجمد اليهود نشاطهم ضد الإسلام كي يتفرغ الرسول صلى الله عليه وسلم للمجابهة الحاسمة مع قريش. وهذا ما يفسر لنا جواب الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم أحد عندما سألوه:

يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا اليهود؟ فكان جوابه: لا حاجة لنا فيهم (?) .

كان الغرض الذي يرمي إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من وراء الصحيفة وما إليها من العهود التي عقدها مع بطون يثرب هو هدم النظام القديم وإيجاد نظام جديد يمكن أن تتوحد به العناصر اليثربية، وأن تعود يثرب بعد فرقة أحيائها مدينة واحدة. فقد كانت يثرب منقسمة إلى عدة دوائر، وكانت كل دائرة تابعة إلى بطن من البطون، وكانت الدائرة تنقسم إلى قسمين يشتمل القسم الأول منها على الأراضي الزراعية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015