بني قريظة ثم توفي قبل البعثة بسنتين، ولما شعر أنه ميت لا محالة قال: يا معشر يهود ما ترون أخرجني من (الشام) إلى أهل البؤس والجوع (الحجاز) ؟ قالوا: أنت أعلم، قال: إنما قدمت هذه الأرض أتوكف- أتوقع- خروج نبي قد أظل زمانه، وهذه أرض مهاجره، وكنت أرجو أن يبعث فأتبعه (?) .

من أجل ذلك راح اليهود يعلنون، بين الحين والحين، عن قرب ظهور النبي الأخير، ويتباهون بذلك، ويهددون بالانتماء إليه، ويتوعدون مخالفيهم، من أجل مزيد من السيطرة والإذلال واحتكار المقدرات المادية والمعنوية لمئات الآلاف من العرب المحيطين بهم كجزيرة منقطعة (?) . ولم يكن الكثيرون من أحبار اليهود يتوقعون أن النبي الجديد سيجيء هذه المرة من سلالة أخرى غير السلالة اليهودية المعروفة، وأنه بانتمائه العربي سيشكل خطرا ماحقا على وجودهم المستغل، وبدعوته العالمية المفتوحة سيكتسح تجمعاتهم القومية المغلقة، وبمبادئه العادلة الواضحة سيفضح طقوسهم وأسرارهم التي يرتزقون منها ويضمنون بقاءهم في المراكز العليا لبني قومهم.

وما أن حان الموعد، وحلّ الأجل المضروب في التوراة والإنجيل، ولم يظهر في اليهود النبي الذي ظنوه منهم، وولد محمد صلى الله عليه وسلم يحمل علامات نبوته المادية والأدبية، حتى بدأ اليهود يتخوفون من أن تخطىء ظنونهم، وألاتكون النبوة فيهم فيصابون بخسارتين.. وأصبح الطفل الذي سيبعث إلى العالم في خطر دائم من مكر اليهود وعرقيتهم التي تتيح لهم اتخاذ أي أسلوب، مهما كان دنيئا، لوقف كل ما يتهدد مصالحهم ووجودهم، حتى لو كان هذا الأسلوب القتل والغيلة. وهذا هو الذي يفسر لنا تحذير الراهب النصراني بحيرا لأبي طالب «ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه يهود، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت، ليبغنّه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم» (?) .

إن قصة بحيرا، إذا ما أسقطها النقد من الحساب، فإن دلالة واحدة فيها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015