عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ ينادي بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر! فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء الفرج وآذن رسول الله بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، فذهب قبل صاحبي مبشرون.. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة.. حتى دخلت المسجد، فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور: أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك. قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال:

لا بل من عند الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سرّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه. فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله، فقال: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك.. فقلت: يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي ألاأحدث إلا صدقا ما بقيت، فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا وأني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت..» (?) .

وهنالك من ظلوا يتخبطون في بدايات الطريق ولا يقدرون على الخروج من حفره الضيقة: المعذرون من الأعراب الذين جاؤا يلتمسون الأعذار من الرسول كيلا يذهبوا إلى القتال فلم يعذرهم الله، والمنافقون الذين راحوا يروجون شائعات الخوف والجبن والتردد، ويهمس بعضهم في أذن البعض الآخر: لا تنفروا في الحر!! ولقد تحدث عنهم القرآن فيما بعد، بضربات كاوية كجمرات جهنم وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (?) ، وعند ما انطلقوا مع زعيمهم عبد الله بن أبيّ، ما لبثوا أن انقلبوا عائدين في أول الطريق (?) وزعيمهم يردد «يغزو محمد بني الأصفر، مع جهد الحال والحر والبلد البعيد إلى ما لا قبل له به، يحسب محمد أن قتال بني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015