موقف المسالم المتحبب من الكتابيين في مكة، المتحد معهم في الأهداف والمبادىء، المحترم لأنبيائهم وكتبهم والمعترف بها والمؤيد لها.. ومضامين المفردات القرآنية التي أشرنا إليها آنفا، والأسلوب الهادىء الذي ظل متّسقا في أدوار التنزيل واحتوى استشهاد أهل الكتاب.. ثانيا إلى ما احتواه القرآن المدني من حملات عنيفة على اليهود بسبب مواقفهم الجاحدة الماكرة في المدينة، ثالثا، كل ذلك يسوغ القول بجزم إن الكتابيين في الإجمال قد وقفوا منذ البدء من الدعوة القرآنية موقف العطف والتأييد وظلوا كذلك إلى آخر العهد المكي وأنه لم يقع بينهم وبين النبي احتكاك وعداء كما وقع مع اليهود في المدينة (?) .
إلا أن الكتابيين لم يبقوا عند هذا الحد، بل حقّقوا ما كان متوقعا من استجابتهم للدعوة واندماجهم فيها. ففي سورة الأعراف [الآية 157] نجد أن فريقا من النصارى واليهود في مكة وجدوا صفات النبي صلى الله عليه وسلم مطابقة لما في أيديهم من أسفار التوراة والإنجيل فامنوا به واتبعوه ونصروه فاستحقوا التنويه الذي احتوته الآية (?) . ولقد ذكرت روايات السيرة وكتب التراجم أسماء كثير من الكتابيين الذين اندمجوا في الدعوة في مكة تحمل طابع الأسماء النصرانية، كما أن بعض الروايات ذكرت قدوم وفد نصراني إلى مكة بعد البعثة مستطلعا نبأ النبي العربي وأعلن إيمانه به (?) .
وفي نفس الوقت تنزلت آيات أخرى تعرض واقع الكتابيين من الاختلاف والنزاع والانشقاق مذاهب وشيعا فيما بينهم، ودعوتهم إلى الانضواء إلى راية القرآن الذي يمتّ إلى المصدر الذي تمتّ إليه كتبهم، والذي يعود بدين الله إلى صفائه ومبادئه السامية التي لا تحتمل في أصلها خلافا، واتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل.. والتسليم بما جاء به القرآن من حلول لمشاكلهم وخلافاتهم المذهبية والنفسية.. ولعل من الحق أن يقال إنه كان لهذه الدعوة القرآنية أثر فيما كان من تنبه الكتابيين في مكة في مبدأ الأمر إلى ما