والتهافت اللذين يسودان تلك الرواية التي سبق وأن عرضنا لها بإيجاز (?) والتي تتحدث عن لقاء مبكّر تمّ بين محمد الصبي الذي صحب عمه أبا طالب في رحلته الأولى إلى بلاد الشام وبين بحيرى الراهب.. ونستطيع أن نجد في بحث الدكتور محسن عبد الحميد تقييما للرواية يضعها في مكانها الأقرب إلى الصواب. فهو، بعد أن يعرض بالنقد لأسانيد الرواية ومتونها، يخلص إلى القول بأن «.. هذه الروايات كلها مردودة سندا ومتنا لما فيها من الضعف والنكارة ولما فيها من فساد المتون وبطلانها من الناحية التاريخية وتعارضها مع قواعد العمران البشري والقوانين مما يثبت إثباتا قاطعا أن هذه الرواية موضوعة، نقلها المؤرخون وبعض المحدثين الذين لا يتشدّدون في شروط الرواية، ظنا منهم أنهم بذلك يضيفون دليلا جديدا يسند نبوة رسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام، ولم ينتبهوا إلى أن أمثال هذه القصص فيها من الشرّ أكثر مما فيها من الخير، لأن أعداء الإسلام منذ القديم أرادوا أن يروجوا أمثال هذه الروايات الواهنة كي يثبتوا وجود بحيرى وغيره من القسس في أطراف الجزيرة العربية الذين كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم- في زعمهم يتصل بهم ويأخذ عنهم.
ولقد اهتم بهذه الروايات الباطلة الكاذبة المؤرخون والمستشرقون الغربيون وبنوا عليها أبا طيل ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يمكن أن تقف لحظة واحدة أمام الحقائق التاريخية، منهم وليام موير ومارغليوث ودرابر وغيرهم كثيرون حيث اعتبروا أن أسرار الإسلام كلها أخذها محمد صلى الله عليه وسلم من هذا الراهب. ولم يدعهم تعصّبهم أن يفكروا كيف يمكن لطفل عمره تسع سنوات أن يأخذ كل هذه الأسرار في لقاء عابر من بحيرى أو أمثال بحيرى» (?) .
والآن.. ما الذي قدمته الأناجيل ورجالاتها من معطيات بصدد النبوة الجديدة؟
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب في الإنجيل «لا فظ، ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح» . وعن سهل مولى عتيبة- وكان نصرانيا من أهل مريس، يتيما في حجر