العين فيزداد يقينا بألا قدرة للمكيين على المقاومة (?) . ووقف العباس وأبو سفيان حيثما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم وراحت قبائل المسلمين تمرّ حاملة راياتها الخاصة واحدة تلو الآخرى، وكلما مرت قبيلة كبّرت ثلاثا فسأل أبو سفيان: يا عباس من هذه؟
فيقول سليم، فيقول: ما لي ولسليم! ثم تمر القبيلة الآخرى فيسأل: يا عباس من هؤلاء؟ فيجيبه مزينة، فيقول: ما لي ولمزينة، حتى إذا استعرضت القبائل كلها مرّ رسول الله في كتيبته (الخضراء) التي تضم ألف دارع من المهاجرين والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق خلل الحديد، فسأل أبو سفيان: سبحان الله يا عباس من هؤلاء؟ فأجابه: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار. فقال أبو سفيان: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة. فطلب منه العباس أن يسرع إلى قومه يعلمهم بما رأى وسمع (?) .
دخل أبو سفيان مكة وراح يصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فانبرت له امرأته تقبح رأيه، وقام القوم مستنكرين قائلين: قاتلك الله، وما تغني عنا دارك؟
فاستأنف أبو سفيان: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن، وأدركت الأغلبية العظمى من المكيين ألاجدوى في مخالفة زعيمها أبي سفيان وهو يدعوهم إلى الأمان قبل أن تكتسحها سيوف المسلمين، فتفرقت إلى دورها وإلى المسجد الحرام وأغلقت من دونها الأبواب (?) .
وزع الرسول صلى الله عليه وسلم قواده لكي يدخلوا كل من الجبهة التي حددت له: سعد ابن عبادة وابنه يدخلان بقواتهما مكة من الجهة الشرقية، أبو عبيدة عامر بن الجراح يتقدم بقواته بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ليدخل مكة من جهتها الغربية، الزبير بن العوام يقود خيل المهاجرين والأنصار إلى أعلى مكة حيث الحجون لكي يغرز راية المسلمين هناك، وخالد بن الوليد يدخل مكة من الجنوب حيث تجمع مقاتلو قريش وحلفاؤهم وأحابيشهم لمنع القوات الإسلامية من اجتياز مكة.